النساء السوريات وقصة أذونات السفر إلى لبنان


عند الدخول إلى أي دائرة حكومية في سوريا الخاضعة لسيطرة النظام، ترى المكان مكتظاً بالنساء. فالنساء خلال سنوات الثورة أصبحن أكثر قدرة من الرجل على الحركة عبر حواجز النظام ومليشياته، والدخول إلى الدوائر الحكومية على الرغم من تعرض الكثير منهن للاعتقال والاختطاف.

 لكن أغلب النساء السوريات وجدن أنفسهن في حالة اضطرار لذلك. فالزوج والأخ والابن، إما متوفي أو معتقل أو مفقود أو مهجر خارج القطر رغماً عنه، ومن كان منهم داخل سوريا يبقى حبيس حارته يعيش كابوس المرور على أي حاجز أو الدخول إلى أي دائرة حكومية خوفاً من الاعتقال.

المرأة السورية اليوم مسؤولة عن القيام بنفسها، بتعقيب العديد من المعاملات في الدوائر الحكومية، من استصدار بيانات عائلية وبيانات زواج وإخراجات قيد ومعاملات وفاة زوج أو معاملات حصر إرث ونقل ملكيات وبيع عقارات وغيرها، من معاملات وإجراءات.

الكثير من الرجال السوريين اضطروا للهرب إلى دول الجوار ولا سيما لبنان، وبعضهم توجه من لبنان إلى دول أوروبا، وبقيت أسرهم داخل سوريا لحين أن يتثنى لهم اللحاق بهم وإجراء لم الشمل.

 ومن هنا أضحت المرأة في مناطق النظام مسؤولة عن تسيير أمورها وأمور أسرتها بمفردها بانتظار اللحاق بالزوج إلى بلدان اللجوء أو بانتظار إجراءات لم الشمل.

وتضطر المرأة الموجودة في الداخل السوري في كثير من الأحيان للسفر إلى لبنان إما لرؤية زوجها وأقربائها أو لإتمام أمور تتعلق بلم الشمل في السفارات المختلفة.

معاناة وتكاليف للدخول إلى لبنان

إن لم تكن المرأة السورية موظفة وتملك بطاقة نقابية تخولها الدخول إلى لبنان، فذلك يعني معاناة كبيرة.

ويحق لحاملي البطاقات النقابية المختلفة الدخول شهراً إلى لبنان، ولكن يتم التعامل بمزاجية من قبل موظفي الأمانة في الحدود اللبنانية، فيتم منح 3 أيام أو أسبوع، وفي مرات قليلة جداً، يُمنح الموظف السوري مدة شهر في لبنان.

وفي حال عدم وجود بطاقة نقابية، فإن على المرأة السورية الحصول على سجل تجاري باسمها تكلفته (80) ألف ليرة سورية، أي ما يقارب (150) دولار، لتدخل به إلى لبنان. وهنا بهذه الحالة إن استطاعت المرأة اجتياز الجانب السوري، فإن الجانب اللبناني أيضاً يتعامل بمزاجية قد يسمح لها بالعبور أو يعيدها بحجة أن شكلها لا يظهر عليه أنها تاجرة، فيقول لها الضابط "مو هيئتك تاجرة يا مدام، رجعي ع سوريا رجعي"،  ولأخرى يقول بكل استهزاء، "شو جاي ع لبنان تتاجري أنت والولاد".

تضطر كثير من السوريات إلى تكليف أحد ما في لبنان لتوفير حجز فندقي باسمها بتكلفة تقارب (200) دولار حتى يتثنى لها السفر إلى لبنان.

إنها حالات الخلاص من الجانب اللبناني الذي بات يشبه بل ويتفوق على نظيره السوري بالاستهزاء والاستجواب، والإهانات للسوريات الداخلات والخارجات من وإلى لبنان.

العبور من الأمانة السورية إلى لبنان

 للعبور من الجانب السوري، تبرز المرأة السورية أوراقها الثبوتبة، وإن كانت موظفة فتحتاج إلى الحصول على تأشيرة خروج من الدائرة الحكومية الموظفة لديها أو من الوزارة التابعة لها وظيفياً، وبحسب نوع الوظيفة. كما تحتاج إلى إذن شرعي لأولادها القاصرين دون سن (18) سنة لاصطحابهم معها.

 الحصول على الإذن الشرعي

للحصول على الإذن الشرعي، تتوجه الأم بكتاب إلى القاضي الشرعي في منطقتها تطلب منه التفضل بإعطائها الإذن الشرعي من أجل اصطحاب أولادها القاصرين معها للسفر إلى لبنان. وفي نهاية الكتاب تتوجه بالشكر للقاضي الشرعي، وتدون اسمها الثلاثي مع التوقيع ويلصق على الكتاب عدة طوابع بتكلفة (900) ليرة سورية.

وبعدها تتوجه إلى مختار حيها ليصرح المختار على الوجه الثاني للكتاب الموجه للقاضي بعد التعريف عن نفسه، بأن الأم ترغب باصطحاب أولادها القاصرين معها إلى لبنان. ويوضح سبب غياب والد الأولاد. ويدون التاريخ والتوقيع والختم. ويطلب مبلغاً مالياً يتراوح بين (500 - 2000) ليرة سورية، بحسب سبب عدم تواجد الوالد (متوفي، معتقل، مفقود، مسافر خارج القطر..).

وبعد المختار، يُعرض الكتاب على القاضي الشرعي، وعلى الأم تقديم الكتاب للقاضي شخصياً وهنا يتحول القاضي الشرعي إلى محقق يستجوبها عن سبب غياب الأب وهل هو مجرم وإرهابي، وهل هو متعلم أم جاهل، وعن أقربائه وأين تسكن المرأة، ومع من؟، وهل تعيش لوحدها مع أولادها القاصرين؟، وهل هي متعصبة؟، ومع من لها علاقات اجتماعية؟، وكيف هي قادرة على العيش من دون رجل؟، وهل وكيف.. وكثير من الأسئلة البعيدة جداً عن المنصب الذي يتقلده كقاضي شرعي.

وهذا ما أكدته لنا (س،ع). وتابعت الحديث: "هنا تردد المرأة بداخلها الآيات القرآنية، لعل القاضي يمسك القلم ويوقع وينهي حلقة الاستجواب هذه".

وبعدها يوجه القاضي الكتاب إلى المعابر الحدودية ويكتب: "نحن القاضي الشرعي وبعد الاطلاع وحيث أن القاضي ولي من لا ولي له فإننا نوافق على منح المستدعية الإذن للسفر إلى خارج القطر مصطحبة معها أولادها القاصرين". محدداً سبب السفر،  على أن لا يكون القاصرين ممنوعين من السفر.

ويصلح هذا الإذن لمرة واحدة تبعاً للأنظمة، ويُدوّن تاريخ منح الإذن الشرعي هذا. ويوقع القاضي ويوجه الكتاب إلى الديوان من دون طلب أي مبلغ مادي.

ديوان والمماطلة للرشوة

في الديوان يضع الموظف المختص الطلب جانباً، ريثما تسنح له الفرصة لطلب مبلغ ما لتمشية المعاملة، أو يطلب تصوير صورة عن الكتاب وجلب نفس الطوابع، ولكنه يوصي بعدم لصق الطوابع على الصورة، وهنا يضع الطوابع في درج مكتبه كطريقة غير مباشرة للرشوة ويضع الختم.

وبعدها تتوجه المرأة إلى النائب العام بمنطقتها الذي يصادق على ختم وتوقيع القاضي الشرعي دون أي مسؤولية على محتوى هذه الوثيقة، ويدون تاريخ منحها، ويوقع ويمهر الموظف المساعد الختم.

وهنا أيضاً لا يتم أخذ أي نوع من الرشوة.

إذا كان السفر من معبر خارج المحافظة

يجب أخذ ختم وتوقيع النائب العام لمحافظتها، ومن ثم التوجه إلى الخارجية ووضع الطوابع على الكتاب بقيمة (360) ليرة سورية ويمهر ختم وتوقيع الخارجية.

وبعدها يمكن السفر والتوجه إلى الحدود السورية اللبنانية.

إذلال قبل الحدود من حواجز النظام

عند الوصول إلى عناصر الحدود السورية يبدأ التحقيق والاستجواب، إن كان الأب "متوفي أو معتقل أو مفقود أو مسافر". ويسأل "الضابط" عن سبب الوفاة وتاريخه، وسبب الاعتقال وتاريخه، ومن ثم "يضرب فيش" للأب على الرغم من أن الإذن الشرعي عليه ختم وتوقيع النائب العام، والمشكلة العظمى تكمن في حال ظهر لضابط التفييش أن الأب ليس خارج القطر وعلى الإذن الشرعي مدون أن الأب خارج القطر، وهنا يكتشف أن الأب مغادر البلد "خلسة"، فتتغير المعاملة، وينظر للمرأة نظرة ازدراء وينعتها بالكاذبة ويشتم زوجها الهارب من بلده ويصفه بالخائن والإرهابي والبعض يوجه الشتائم -وهذا ما ذكرته لنا أم محمد لما حصل معها-  وهنا يحدد حظها المصير، فإما أن يرى "الضابط" أن لا ذنب لها بخيانة زوجها لبلده ويسمح لها بالعبور، وإما أن يمنعها ويعيدها إلى بلدها فهي بنظره ذاهبة هي وأولادها لرؤية زوجها الخائن الإرهابي.. فيعيدها قائلاً: "حدو بلي هالخاين مايشوف ولاده".
 
وتُحمّل المرأة كل الذنب لهذا الإذن الشرعي الذي منعها من السفر، مع أنها ما حصلت عليه إلا وقد تنفست الصعداء.

وفي حالة أخرى روت لنا (م .ك): "إذا ترجت الضابط السوري شوي زياده بيقلا يالله انقلعي من هون مابقى بدي شوفك هون".

وفي حالات أخرى إذا ما كان الاستجواب في الجانب اللبناني، فيقال لها: "روحي من هون وألا بعملك منع دخول إلى لبنان".

ومن كان لها توفيق بالعبور، تعبر إلى لبنان بعد أن تذوق "الأمرّين".

ترك تعليق

التعليق