"الدبس الرحيباني".. صناعة تتحدى الحداثة


تعدّ صناعة "دبس العنب"، إحدى أهم الحرف التقليدية التي يواظب أهالي منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، على ممارستها كتقليدٍ سنوي في ظل التطور الصناعي القائم. إذ يقبل أبناء المنطقة بشكلٍ كبير على شراء "دبس العنب" وتخزينه لتناوله حصراً في فصل الشتاء، نظراً لجودته ومذاقه المميز الذي يمنح الطاقة والدفء.

في هذا السياق، أشار "أبو سمير"، أحد أبناء مدينة "الرحيبة"، الذين مارسوا هذه المهنة في ثمانينيات القرن الماضي، إلى أن معاصر الدبس كانت تنتشر بكثرة في مدينته، وقدّر عددها بحوالي25 معصرة، حيث اشتهر أبناؤها في القرن الماضي، بزراعة نوع خاص من العنب الأحمر البلدي، يشبه إلى حدٍ كبير "العنب الأحمر الدوماني"، وقد اعتمدوا عليه في صناعة الدبس, إلى جانب أنواعٍ أخرى من العنب منها: (الديراني، الدربلي، بيض الحمام، مخ العصفور).

وعن طريقة صناعة "دبس العنب"، قال "أبو سمير" في تصريح خاص لموقع "اقتصاد"، إن لدى "الرحابنة" طريقة خاصة في صناعة الدبس، تقوم أولاً على اختيار أصنافٍ معينة من العنب الأحمر أو البلدي، التي لم تتعرض بكثرة للمبيدات الحشرية، حتى لا تغيّر المواد الكيماوية من طعم الدبس.

وأضاف أن المرحلة الثانية تقوم على تجفيف العنب فور انتهاء عملية القطاف تحت أشعة الشمس لتحويله إلى "زبيب" وهو المادة الأساسية في صناعة الدبس، بعدها ينقل "الزبيب "الجيد والمهيأ لصناعة الدبس إلى المعصرة، ثمّ يفرش تباعاً بسماكة 2 سم على مصطبة، وذلك لهرسه بواسطة حجر صخري ضخم يجره "بغل" بشكل دائري إلى أن يصبح "دريساً".

وتابع الحاج "أبو سمير": :بعد ذلك يتم جمع (الدريس) على شكل كتل كروية, الواحدة منها بحجم كرة السلة, ويرش عليها فتات من الحجر الكلسي (القشاش)، والذي يقوم بامتصاص الحموضة من هذا (الدريس), ثمّ تنقل الكتل إلى القسم المعد لحفظها, حيث تكوم وتترك لمدة لا تزيد عن أسبوعين, لتجف تماماً وتصبح قاسية".

وبعدها تبدأ المرحلة الثالثة التي تقوم على تفتيت كوم "الدريس" بواسطة قدوم معدني إلى قطع صغيرة على شكل شرائح, ثمّ تنقل هذه القطع إلى القدر "التيفار"، ثم يصب الماء النظيف على الفتيت حتى يغمره ويعلوه بحوالي 10سنتيمترات, ويترك على حاله لمدة ثلاثة أيام, ينحل خلالها "الدريس" في الماء ويتحول إلى عصير شديد الحلاوة.

وأوضح أنه في المرحلة الثالثة يتم نقل العصير إلى حلة نحاسية كبيرة تدعى "الجعيلة" للطبخ، تُوضع على مواقد من الحطب، ويقوم الدّباس بتحريك العصير أثناء الغليان بـ"مشلات خشبية" حتى يمنعه من الفوران, ويدوم ذلك نحو ساعة حتى ينضج ويصبح كثيفاً, ثمّ تطفأ النار، ويستمر الدّباس في تحريك الدبس ضمن الحلة النحاسية لنحو نصف ساعة أخرى.

ولفت "أبو سمير" إلى أن المرحلة الأخيرة هي عبارة عن تبريد الدبس، وتحتاج لمدة طويلة تصل ليومين تقريباً حتى يبرد ويجمد، بعدها يتم تعبئته في عبوات بلاستيكية مختلفة الأحجام.

وختم حديثه مع "اقتصاد" بالقول: "في الوقت الراهن لم يتبق سوى معصرة واحدة تعمل في "الرحيبة" وهي مفضلة ومرغوبة لدى الأهالي، لأنها ما تزال تحافظ على طابعها التقليدي في عصر وصناعة دبس العنب".


"أم حسن" إحدى ربات الأسر في مدينة "جيرود" المجاورة، قالت في تصريح خاص لموقع "اقتصاد" إن "دبس العنب" يعتبر وجبةً غذائية أساسية ومتكاملة طوال أيام الشتاء، لذلك يحرص أبناء القلمون عموماً على تناول "دبس العنب" المخلوط مع الطحينة، وخصوصاً على وجبات الإفطار.

وأضافت لموقع "اقتصاد"، أن "دبس العنب" وخصوصاً "الدبس الرحيباني" يمتاز بطعمه المميز، ويؤكل بعد غمسه إما بخبز التنور أو بالخبز العادي، كما يستخدم في تحلية كثير من الأكلات التقليدية المحلية مثل "الحلاوة المشوشة" و"القطايف" التي يكثر تناولها في الشتاء، مشيرةً إلى أنه في بعض الأحيان يستعاض به عن مادة السكر من أجل صناعة بعض أصناف الحلويات.

حسب "أبو سمير" فإن إنتاج كيلو غرام واحد من "دبس العنب" يحتاج إلى ما يزيد عن خمسة كيلو غرامات من العنب، والذي لا يقل سعر الكيلو غرام الواحد منه عن حوالي 100 ليرة سورية، في حين أن سعر كيلو "دبس العنب" يُقدّر لهذا العام بـ1450 ليرة سورية، بينما كان يباع بـ 1200 ليرة العام الماضي.


ترك تعليق

التعليق