وداعاً للمدفأة داخل منازل الغوطة.. فما هو البديل؟


لم تتوقع "أم عمر" أنه سينتهي بها الحال في الغوطة إلى فقدان المدفأة داخل منزلها في أقسى ساعات البرد القارص الذي يمر على ليالي الحصار اللعينة. هكذا وصفت حالها وهي المرأة الخمسينية من ذوي الاحتياجات الخاصة والتي يعيلها أبناؤها.

يقول ابنها "عمر" أن حالته المادية تجعله عاجزاً عن شراء الحطب أو وسائل التدفئة كما كان في سابق عهده. فالأعباء المادية الأخرى من غذاء ودواء وماء وكهرباء قد حجزت من دخله المادي الكثير حتى لم يعد هناك متسعاً للتدفئة، على حد تعبيره.
 
وأضاف: "نقوم حالياً بالاعتماد على اللباس الشتوي المستعمل. ونرتدي ضعف الملابس من أطقم صوف داخلية ووشاح وغيره. فضلاً عن اعتمادنا بشكل أساسي أثناء ساعات النهار والليل على البطانيات الصوف (الحرامات)، لعلنا نجد في ذلك سبيلاً لشتاءٍ دافئ".

حيث يتراوح سعر كيلو الحطب الواحد داخل الغوطة بين 300 إلى 350 ليرة سورية وفي بعض الأحيان أكثر، وبالتالي مصاريف الحطب والتدفئة لوحدها يمكن أن تبلغ أكثر من 3 آلاف ليرة سورية يومياً لكل عائلة، سيما أنه للعام الخامس على التوالي يقضي سكان الغوطة شتائهم دون وسائل بديلة مع ارتفاع تدريجي للأسعار بين العام والآخر.

رصد مراسل "اقتصاد" العديد من العوائل داخل الغوطة والتي امتنعت عن شراء الحطب وتركيب المدافئ، ليجد أن معظم تلك العوائل اعتمدت بشكل أساسي على اللباس الشتوي والبطانيات الشتوية كطرق بديلة لمكافحة برد الشتاء بعيداً عن تكاليف إضافية لرب الأسرة.

فقد أكد السيد "ياسين" أحد سكان بلدة مسرابا، أن الاعتماد على الملابس الشتوية كوسيلة لمكافحة البرد لا يفيد بشيء مع اقتراب المنخفضات القطبية وانتشار الصقيع، ولكنهم مضطرون لتطبيقه، فهو يحتاج إلى ما يزيد عن 400 دولار من أجل شراء كمية من الحطب تكفي لأقل من ثلاثة أشهر، وهذا المبلغ لا يتوفر منه شيء، على حسب تعبيره.

وكشف "ياسين" أيضاً عن أن شتاءات الحرب تأتي أشد قسوة على جميع من عاشوا تلك الحروب، وأردف قائلاً: "قذائف الموت وغارات الطيران قد جعلت جميع نوافذ المنزل بلا زجاج، واعتمدت على تركيب النايلون الذي لا يصمد أمام هبوب العواصف الثلجية الأمر الذي يزيد من المعاناة ولكننا مضطرون على التأقلم في تلك الظروف وسط عدم تفاعل جاد لإنهاء معاناتنا من قبل المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية وجهاته المانحة".

ولعل أكثر شرائح السكان احتياجاً هي شريحة النازحين من المناطق التي تشهد اشتباكات عنيفة بين قوات النظام وفصائل الجيش الحر، كمدينة حرستا ومديرا وبعض مناطق المرج.

فقد علم "اقتصاد" من مصادر خاصة أن عدد العوائل التي نزحت من تلك المناطق تقدر بحوالي 700 عائلة، منهم من نزح إلى مدن وبلدات القطاع الأوسط ومنهم من نزح إلى قطاع دوما، يفترشون البيوت غير المأهولة للسكن والتي تفتقر إلى أقل مقومات الحياة البسيطة.

وعن تدخل منظمات المجتمع المدني إزاء هذه المعاناة أكد الأستاذ "فراس المرحوم"، ممثل هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية في الغوطة الشرقية، أن معظم المساعدات التي تقدمها المؤسسات الإغاثية في الغوطة هي توزيع الملابس على الأهالي، و بالتالي هناك انكفاء عام عن توزيع الحطب، لأن أي حملة لتوزيع الحطب من شأنها أن ترفع سعره بنسبة قد تصل إلى 50% في السوق، "الأمر الذي يجعل تدخلنا سلبياً وهذا مالا نريده"، حسب وصفه.

وكشف "المرحوم" أن الهيئة قد قامت بتغطية 900 عائلة بين نازح ومقيم في أكثر من سبع بلدات داخل الغوطة عبر مرحلتين، بسلة شتوية تحوي على المكونات التالية: بنطال صوف عدد 4، كنزة صوف عدد 4، طاقية صوف عدد 2، وشاح صوف عدد 2، بطانية عدد 4، جرابات صوف عدد 15، كفوف مطري جلد عدد 2.

 وأضاف: "يعتبر توزيع الـ 900 سلة خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي ضمن سلسلة مشاريع شتوية تستهدف أكثر من 5500 عائلة ستنفذها IHR في عدة بلدات بعون الله".

وختم "المرحوم" حديثه بدعوة الجهات المانحة والدولية لرفع مستوى التمويل لأهالي الغوطة المحاصرين والضغط نحو فتح المعابر والسماح بدخول مساعدات إنسانية عاجلة دون قيد أو شرط لعشرات آلاف المدنيين الذين يقبعون بين سندان الحرب ومطرقة الحصار.

ترك تعليق

التعليق