البيوت الطينية تظهر من جديد في درعا كخيار مقبول للنازحين


بعد غياب استمر أكثر من خمسين عاماً، عادت إلى الظهور مجدداً البيوت والمساكن الحجرية والطينية، وذلك بالتزامن مع تدمير الكثير من المباني والمنازل، على أيدي  قوات النظام، وتعذر ترميمها نتيجة الأحوال المادية السيئة للكثير من السكان.

الناشط أبو محمد الدرعاوي أكد أن "بيوت الطين والحجر ظهرت خلال العامين الماضيين في عدة أماكن من محافظة درعا، ولاسيما في مخيمات النزوح والمناطق الزراعية التي استوطن فيها بعض الأهالي، هرباً من قصف قوات النظام"، لافتاً إلى أن البيوت الحجرية والطينية بدأت تظهر كخيارات بديلة عن الخيام، التي لم تعد فعالة بسبب قدمها واهترائها، نتيجة العوامل الجوية.

ويقول أبو ثائر، 48 عاماً، وهو نازح من ريف درعا الأوسط، ويقيم في  مخيم "زيزون" للنازحين في ريف درعا الغربي، إن الوضع  المعيشي في المخيم مزرٍ جداً، ولاسيما خلال فصل الشتاء، لافتاً إلى أن الشتاء بات يضيف هموماً كبيرة على النازحين  بقدومه، رغم أنه موسم خير، وذلك بسبب شدة المعاناة التي تترافق معه، في ظل تراجع المساعدات والخدمات وتفشي حالة الفقر التي يعاني منها سكان المخيم. 

ولفت إلى أن "المخيم يتحول في فصل الشتاء إلى برك ماء وأوحال يقف جميع السكان عاجزين أمامها بإمكاناتهم المتواضعة"، مشيراً إلى أن البرد يدخل الخيم من كل مكان، وينخر عظام الكبير قبل الصغير، بعد تحولها إلى مجرد أسمال، لا تقي حراً ولا تمنع برداً.

وقال: "أمام هذه الظروف لجأ البعض إلى خبرته في تصنيع القوالب الطينية واستخدامها في البناء، كحل إسعافي يستعيض به عن الخيم".

وأشار إلى أن أحد النازحين من سكان المخيم، قام بتصنيع عدة قوالب حديدية مستطيلة الشكل، لدى حداد في المنطقة، أبعادها 45 سم طولاً ونحو 25 سم عرضاً وارتفاعها نحو 20 سم. وبدأ يستخدمها في صناعة ما يعرف بحجارة "اللبن"، التي تتكون من الطين والتبن، وذلك بعد مزجها مع بعضها جيداً، ووضعها تحت أشعة الشمس لعدة أيام حتى تجف، ليتم بناؤها بعد ذلك بطريقة منسقة كبناء البلوك تماماً، لافتاً إلى أن سقوف هذه البيوت غالباً ما يكون من ألواح الحديد والطين، أو بقايا الشوادر والخيام المهترئة، وكلها لا ترد برداً لكنها أكثر دفئاً من الخيام.

فيما أشار عماد القاسم، 40 عاماً، وهو عامل بناء أصبح يمتهن بناء البيوت الحجرية والطينية، إلى أن بعض النازحين الذين طالت فترة مكوثهم في المخيمات، بدأوا يقبلون على بناء البيوت الحجرية والطينية، لافتاً إلى أنه يقوم ببناء بعض البيوت الحجرية اعتماداً على خبرته كعامل بناء بلوك "معمرجي".

وأضاف أن "بعض النازحين الذين هربوا إلى أراضيهم الزراعية البعيدة عن أماكن سكنهم، يلجأون إلى بناء مثل هذه البيوت، كون الأراضي تعود لهم"، مشيراً إلى أن الكلفة التقديرية لغرفة الحجر والطين تصل إلى ما بين 75 و 100 ألف ليرة سورية وذلك حسب أبعادها.

ولفت إلى أن الكلفة  تشمل صناعة حجارة الطين "اللبن"، أو نقل الحجارة، وثمن المواد التي تستخدم في سقف الغرف وأجور عمال البناء، موضحاً أن بعض الأسر النازحة تلجأ إلى هذا الخيار، للتخلص من أجور البيوت المرتفعة.

ويشير الحاج محمود العيسى، 75 عاماً، إلى أن البيوت الطينية والحجرية ليست جديدة في ريف درعا، وهي كانت مساكن أهل ريف درعا الأساسية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، لكنهم تركوها مع ظهور الاسمنت والحجر المشذب، ليُجبروا من جديد على بناء هذه البيوت، "بفضل أعمال بشار الأسد الإجرامية".

 وأضاف أن "هذه المساكن سهلة البناء وموادها متوفرة في الطبيعة بكثرة ، ولا تحتاج إلى مهنية كبيرة، وهي اقتصادية جداً، وتشكل بديلاً مناسباً لبيوت الاسمنت عندما يتعذر توفير الإمكانيات المادية. كما أنها أفضل من الخيم في تحمل العوامل الجوية، فهي باردة صيفاً، ودافئة شتاءاً"، لافتاً إلى هذه البيوت تحتاج فقط  إلى عوارض حديدية طويلة لسقفها، وإلى نبات القصب، وهو موجود في الأودية، وإلى التراب، وهو متوفر في كل مكان.

وأضاف أن "هذه البيوت تتطلب عناية خاصة، وأعمال ترميم متواصلة، قبل قدوم فصل الشتاء، بسبب تعرضها إلى التآكل والتشقق نتيجة تعاقب الأحوال الجوية"، مؤكداً أن هذه البيوت آمنة، والدليل أن هناك منازل حجرية وطينية مازالت صامدة منذ عشرات السنين في العديد من القرى في ريف المحافظة.

وأشار إلى أن "نظام بشار الأسد، بحربه على الشعب السوري، لم يُعد الناس إلى السكن في البيوت الطينية والحجرية فحسب، بل أجبرهم أيضاً على استخدام أدوات ووسائل بدائية، اعتُبرت قبل الثورة بحكم المنقرضة". 

يشار إلى أن مئات العائلات النازحة من منازلها في ريف درعا وريف دمشق والقنيطرة وبعض العائلات من إدلب وحمص، مازالت تسكن في معسكرات النزوح والمخيمات العشوائية، الموزعة في عدد من مناطق الجنوب السوري، لاسيما في معسكر الطلائع في زيزون، وفي بعض المناطق الحدودية مع الأردن، وذلك في خيم ومساكن تفتقر لأبسط مقومات السكن الإنساني.


ترك تعليق

التعليق