الجوع يطرق أبواب دمشق وقوات الأسد تعرقل المساعدات


 على أبواب العاصمة السورية ثمة أطفال بوجوه مجعدة وأذرع تشبه العصي يتضورون جوعاً لأن قوات نظام بشار الأسد المدعومة من روسيا وإيران تحول دون وصول إغاثة إنسانية.

بينما تختتم حكومة النظام والمعارضة جولة أخرى غير مجدية من المحادثات في جنيف، حذر مسؤولون معنيون بالشؤون الإنسانية من أن الأوضاع على مشارف دمشق وصلت إلى مستوى الأزمة، إذ تواصل حكومة النظام حصارها لضاحية الغوطة الشرقية، ما ترك قرابة 400 ألف شخص بدون ما يكفيهم من الغذاء والدواء والمحروقات اللازمة لمواجهة برد الشتاء.

قال المسؤولون إن مرضى ذوي معدات خاوية ومصابين بالفشل الكلوي يحتضرون على أسرتهم بينما ينتظرون نقلهم إلى مشافي على بعد دقائق قليلة فقط.

تضع الحرب المستمرة في سوريا منذ ما يقرب من سبع سنوات أوزارها في العديد من المناطق منذ وقف إطلاق النار على الصعيد المحلي، ولكن المعاناة في الغوطة الشرقية - التي كانت يوماً ما الأرض الخصبة في دمشق وباتت معزولة عن العالم الآن - لم تزد إلا سوءً.

وفقاً للأمم المتحدة، فإن واحداً من بين كل ثمانية أطفال في الغوطة الشرقية مصاب بسوء التغذية، وهو ارتفاع كبير للغاية مقارنة مع واحد من بين كل خمسين طفلاً في مايو / أيار الماضي.

كان أكبر مسؤولي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا يان إيغلاند صرح الأسبوع الماضي بأن حكومة النظام ترفض السماح لقافلات الإغاثة بالوصول إلى الغوطة الشرقية، كما ترفض الموافقة على قائمة تضم زهاء 500 شخص بحاجة ملحة إلى إجلاء طبي فوري.

في السياق، صرح إسماعيل ياسين، عضو المجلس المحلي للغوطة الشرقية، لأسوشيتدبرس عبر سكايب، قائلا؛ "لدينا هنا أشخاص يأكلون وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة أيام ... وجوه الناس باتت شاحبة بسبب الجوع".

خيم الحصار بظلاله على الجولة الثامنة من المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، والتي اختتمت يوم الخميس بدون أي نتائج.

قال رئيس وفد المعارضة ناصر الحريري إن الأزمة في الغوطة تعكس "عار وعجز وتقصير" المجتمع الدولي.

وأضاف الحريري أن "من المخزي أن نضطر إلى خوض مفاوضات من أجل أن تمنحنا (الحكومة) بعض أرغفة الخبز".

وصف مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا حصار الغوطة ومناطق أخرى بنهج "القرون الوسطى" في الحرب.

وقالت منظمة العفو الدولية الشهر الماضي إن لجوء حكومة النظام إلى حصار المدنيين - الأسلوب الذي أطلقت عليه "الاستسلام أو الجوع" - جريمة ضد الإنسانية.

غير أن هذا الأسلوب بات بالنسبة لحكومة النظام وحشيا بدرجة فعالة، إذ استخدمته على مدار العامين الماضيين وتمكنت من استعادة عددا من البلدات المحيطة بدمشق.

في الزبداني وداريا، نفذت حكومة النظام إستراتيجيتها بشكل كامل لدرجة أنها تمكنت إخلاء البلدتين من سكانهما تماما بعدما كان يقطنهما قرابة 100 ألف شخص قبل الحرب.

اتبعت حكومة النظام الإستراتيجية ذاتها لاستعادة سيادتها على مدينتي حلب وحمص.

بيد أن حكومة النظام تنفي محاصرتها لمناطق المعارضة، وقالت إن المتطرفين، الذين تشير إليهم بـ "إرهابيين"، هم الذين يعرقلون المساعدات.

وما زالت ثلاثة فصائل معارضة في الأقل تتمتع بوجود في الغوطة الشرقية، وتطلق قذائف تجاه العاصمة بشكل يومي.

وفي منتصف نوفمبر / تشرين ثان الماضي، سيطر فصيل معارض قوي يطلق على نفسه اسم "أحرار الشام" على أجزاء من قاعدة عسكرية بالمنطقة، ما دفع حكومة النظام إلى الرد بموجات من الغارات الجوية والقصف المدفعي، ما أودى بحياة أكثر من 200 مدني، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره في بريطانيا.

وقال فصيل "أحرار الشام" إنه هاجم القاعدة في رد على الوضع الإنساني المتدهور.

في هذا الصدد، صرح جيكوب كيرن، كبير مسؤولي برنامج الأغذية العالمي في سوريا، لأسوشيتدبرس بأن نقص المؤن يتفاقم بشكل كبير لدرجة أن السكان باتوا يأكلون من القمامة ويحرم الآباء أنفسهم من الطعام لادخاره لأطفالهم.

وقال كيرن، الذي دخل الغوطة الشرقية برفقة واحدة من قافلات إغاثة قليلة سمحت حكومة النظام بدخولها في الأسابيع الأخيرة، إن السكان "يبدون منهكين ومتعبين، وثمة يأس في أعينهم".

وفرت القوافل القليل من الإغاثة والمواد التي تكفي لعشرات الآلاف من الأشخاص لشهر أو أقل، في حين ما زال مئات بحاجة إلى مساعدات.

أظهرت صور من الغوطة الشرقية أطفالا يتضورون جوعا بجلد تتخلله التجاعيد، بينما لم يعد بإمكان الأمهات إرضاع أطفالهن في حين أن الحليب الصناعي نادر للغاية ولا تستطيع معظم الأسر تحمل تكاليفه. وبدافع اليأس، يحاول بعض السكان تناول علف الحيوانات.

منذ عام 2015 في الأقل، يحتضر سوريون كل شتاء بسبب الجوع والأمراض التي تتفاقم بسبب البرد القارس.

تقوم أسر في مناطق محاصرة، فضلا عن مخيمات النازحين، بحرق الأثاث والبلاستيك وحتى إطارات الأبواب ودعامات الأسقف لطهي الطعام وجلب الدفء، في حين ارتفعت تكلفة الوقود إلى أبعد من متناول معظمهم.

تشهد غالبية مناطق سوريا، بما فيها المناطق ذات التضاريس الجبلية المحيطة بدمشق، تساقط الثلوج في أشهر الشتاء.

وقال إيغلاند الأسبوع الماضي إن 12 شخصا لقوا حتفهم بانتظار إجلاء طبي من الغوطة الشرقية، وكانوا على قائمة الأمم المتحدة التي قدمتها قبل ستة أشهر إلى حكومة النظام ولم تتلق ردا بشأنها بعد، وباتت القائمة حاليا تضم 494 اسما.

ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة الأحد أن 137 طفلا بحاجة إلى إجلاء فوري بسبب أوضاع تشمل الفشل الكلوي وسوء التغذية الشديد وجروح من جراء الصراع.

وفي تصريحات شديدة اللهجة أدلى بها في جنيف، أنحى إيغلاند باللائمة على حكومة النظام فيما يتعلق بعرقلة شحنات الإغاثة بأرجاء البلاد.

شهدت الغوطة الشرقية أكبر احتجاجات في الأيام الأولى من انتفاضة ما يطلق عليه "الربيع العربي" عام 2011 ضد الأسد.

وحاصرت قوات النظام المنطقة عام 2013، ولكنها في أوقات كثيرة على مدار الأعوام الأربعة الأخيرة غضت الطرف عن أنفاق وعمليات تهريب.

وقال نشطاء إن قادة محليين جمعوا مبالغ طائلة من الرشى لنقاط التفتيش، وازداد تجار ثراء عن طريق بيع سلع لسوق محاصرة. كما توفر بقع زراعية بعض الطعام.

وشددت حكومة النظام الحصار خلال العام الجاري، إذ أغلقت الأنفاق وكل المعابر تقريبا.

وفي مرحلة ما، كان سعر المواد الغذائية في الغوطة الشرقية يزيد بواقع 85 مرة على نظيره في دمشق، على بعد مجرد دقائق معدودات، وفقا لبرنامج الأغذية العالمي.

في تعليق على وضع الغوطة الشرقية، قال ناشط محلي يدعى أنس الدمشقي؛ "نحتاج إلى رفع الحصار ... ليس مجرد رفع أمام الكاميرات كما تفعل الحكومة طوال الوقت".

ترك تعليق

التعليق