إضاءات على عالم التنقيب عن "الأنتيكا" وتجارتها في ريف حمص المحاصر


انتشرت في السنوات الخمس الأخيرة، في بلدات ومدن ريف حمص الشمالي، ظاهرة التنقيب العشوائي عن الآثار، حيث كان العمل قبل الثورة السورية مقتصراً على بعثات أجنبية ووطنية مشتركة، وكانت هناك بعض التجاوزات من قبل الأفراد.

 وفي ظل الحرب في سوريا، والحصار المطبق على نحو 300 ألف شخص في الريف الحمصي الشمالي، وانعدام فرص العمل أمام الشباب، تشكلت فرق تنقيب أهلية في معظم البلدات، حيث يقدّر عددها حالياً بنحو 50 فرقة أو ورشة، تعمل بأساليب ومعدات بدائية، بعكس الشمال السوري المحرر، حيث تستخدم هناك معدات الكترونية متطورة يتراوح سعر الجهاز الواحد ما بين (700- 8000) دولار أمريكي، وتستطع هذه الأجهزة، حسب مصادر مختصة، كشف الذهب والمعادن الأخرى على عمق كبير، يصل إلى 8 أمتار تحت سطح الأرض.

وذكرت مصادر أهلية في محافظة إدلب لمراسل "اقتصاد" في حمص، أن بلدة صغيرة في ريف "معرة النعمان"، يوجد فيها 300 جهاز الكتروني للكشف عن المعادن، بينما بريف حمص الشمالي لا يوجد سوى 3 أجهزة غير متطورة، تستطيع كشف المعادن عن عمق متر واحد تحت سطح الأرض، بينما يقول خبراء الآثار، أن اللقى الأثرية في معظم بلدات ريف حمص الشمالي عميقة جداً.


فخاريات وسرج قديمة وحجارة

يقول أبو مصطفى (40 عاماً) من ريف حمص الشمالي، ويعمل في مجال البحث عن الآثار منذ أكثر من 3 سنوات، مستخدماً معدات بدائية عبارة عن معول وأزميل وآلة حفر: "بسبب غلاء معدات التنقيب الكترونية، وصعوبة إيصالها إلى الريف الشمالي، نستخدم في عمليات الحفر، والتي تصل أحياناً إلى عمق 10 أمتار، معدات بدائية و بسيطة جداً".

 ورداً على سؤال لـ "اقتصاد"، هل تتم عمليات التنقيب في الأملاك الخاصة والتلال الأثرية بموافقة الهئيات الشرعية، أو المجالس المحلية؟، قال أبو مصطفى: "عملنا فوضوي وعشوائي، هدفه تأمين لقمة العيش لأطفالنا. فمثلاً عندنا بمنطقة الحولة، إذا لم نحصل على فخاريات ولقى أثرية أثناء عمليات الحفر، نستخرج الوجوه الحجرية السوداء، الجاهزة للبناء، ونبيع القطعة الواحدة بـ 50 ليرة أو أكثر"، لافتاً إلى أن عمليات الحفر بحثاً عن الآثار تتم بدون موافقة أحد، وأحياناً تتم تحت حراسة مشددة.


 ورداً على سؤال آخر لـ "اقتصاد" عن نوعية اللقى الأثرية، وطريقة شحنها إلى خارج الريف المحاصر، قال أبو حسان (45 عاماً)، وهو مدرس مفصول من مدارس النظام، ويعمل في مجال تجارة اللقى الأثرية: "معظم اللقى في منطقتنا هي عبارة عن فخاريات وسرج قديمة وبعض القطع المعدنية القديمة جداً، وهناك بعض الأشخاص، الذين أصبح لديهم خبرة، يعثرون على قطع ذهبية تعود للعصر الإسلامي".

 وتابع قائلاً: "يتم تصريف اللقى الأثرية الصغيرة عن طريق مهربين إلى لبنان وتركيا، أما اللقى الأثرية الكبيرة فتبقى في مكانها لأن عملية نقلها مكلفة وخطيرة جداً"، مشيراً إلى أن أسعار القطع الأثرية يتراوح ما بين (50-100) دولار أمريكي، أما الليرات الذهبية والقطع الثمنية جداً فتباع بمبالغ أكبر، موضحاً أن العامل في التنقيب يكسب شهرياً مبلغاً يتراوح ما بين (100 - 300) دولار، وفق ما ذكر أبو حسان، الذي تحول من مهنة "مربي أجيال" إلى تاجر "أنتيكا"!


صعوبة في التصريف

علم موقع "اقتصاد" أن معظم ورشات التنقيب الأهلية في ريف حمص، يعانون كثيراً في تصريف لقاهم الأثرية، بسبب الحصار وتحكّم تجار الآثار بموضوع الشراء، وفي أحيان كثيرة، يتعرضون لعمليات نصب واحتيال من قبل تجار أتراك عبر الانترنت، فتقوم الورشات الأهلية بإرسال لقاهم الأثرية إلى الخارج دون أي ضمانات تذكر فيخسرون تعب عدة أشهر في عمليات الحفر، والتي هي من الأعمال الشاقة، كما حصل مع الشاب "علاء" وزملائه، عندما أرسلوا عدة ليرات ذهبية تعود للعصر الإسلامي والعثماني، إلى تاجر تركي، وقام الأخير بنكران العملية نهائياً.


ترك تعليق

التعليق