تساؤلات في تلكلخ.. عن مصير العلاقة بين النظام ورجل الأعمال، المرتضى الدندشي


اعتاد نظام الأسد منذ بداية اندلاع أحداث الثورة، على تلميع أشخاص بعينهم، من رجال سياسيين، ورجال أعمال ورجال دين، وذلك لاستغلالهم وفق مصالحه المرحلية، ومن ثم التخلي عنهم وإخماد ذكرهم، وصولاً إلى تصفيتهم بوسائل وأساليب مختلفة، في حالات كثيرة باتت معروفة.

في مدينة تلكلخ، تم إتباع نفس الأساليب أيضاً. إذ فجأةً، يكثر ذكر اسم شخص ما من الطائفة "السنية"، ويكثر تعامل النظام معه، واعتماده عليه. وبعد فترة ينتهي دور هذا الشخص بالنسبة للنظام، ويتم إنهاؤهُ إما باعتقال أو تصفية أو دفعه للهرب خارج البلد أو بتنحيته جانباً وتهميشه.

ومع إعادة سيطرة النظام على مدينة تلكلخ، بريف حمص الغربي، ذاع سيط رجل الأعمال الشهير، الغائب الحاضر، محمد المرتضى الدندشي، الذي لعب دوراً كبيراً في دعم النظام وتمويله، ومن ثم ساهم في إعادة إعمار عدد من المراكز الحكومية في مدينة حمص.

وكثر الحديث عن الأعمال التي يقوم بها "المرتضى"، خدمة للنظام والأهالي، ولأبنية ومرافق تابعة للنظام وأجهزته الأمنية، إلى جانب الدعم لبعض السكان المتبقين وأغلبهم من الموالين، في مدينة تلكلخ.

طفرة الظهور والشهرة

بلغ من الأمر درجة أن اسمه دخل إلى كل منزل في مدينة تلكلخ، وأصبح على كل لسان، على الرغم من أن ما قدمه لأهالي مدينة تلكلخ قليل جداً، ولا يُذكر أمام ما قدمه للنظام.

أنشأ رجل الأعمال "محمد المرتضى الدندشي" عن طريق شقيقه "يوسف"، وبمساعدة "نضال الكردي"، مدير أعماله، مجموعة أطلقوا عليها اسم (مجموعة الدندشي للاستثمار)، ومنها أُعدت وأُطلقت (حملة الدندشي للمشاريع الصغيرة). وقدّم الدندشي عبر هذه الحملة خدمات عدة لمدينة تلكلخ منها، ترميم عدد من المدارس المتضررة جراء الأعمال الحربية، وإعادة تأهيل وافتتاح المدرسة الشرعية في حي البرج، وترميم  كل من: مبنى السرايا، والمركز الثقافي، ومبنى البلدية، والمجمع التربوي، وجمعية البر للخدمات الاسعافية وإعادة فتحها بعدد قليل من الكوادر والخدمات التي تقدمها.

كذلك، تم تزويد مشفى تلكلخ (مشفى الباسل) بعدد من سيارات الإسعاف، وترميم مبنى واعتماده مقراً للأوقاف، وترميم جامع "الحميدي" في الحارة الغربية في تلكلخ، وكذلك ترميم وإعادة التأهيل والإنارة لجامع البرج، وإعادة تأهيل وترميم حديقة الحميدي في الحارة الغربية، وإعادة تأهيل وترميم سوق الهال، ودعم المدرسة الكروية في مدينة تلكلخ.

كما أطلقت مجموعة الدندشي للاستثمار، (مشروع تشجير تلكلخ)، والذي تضمن زراعة العديد من الأشجار والنباتات في شوارع وعلى أرصفة كل من "الحارة الغربية وحارة المدارس وحي السرايا". وأعمال شطف وتنظيف الشوارع وإزالة القمامة والردم في الحارات المذكورة آنفاً.

كما قامت حملة "الدندشي" بدهن جدران الحارة الغربية وشارع المدارس وحي السرايا وشارع السوق بألوان زاهية، فبدا التناقض الحقيقي بين الألوان، فهي محاولات لإخفاء ما يقابلها من صور الخراب والدمار في كل شارعين متقابلين، كحال الطرف المقابل لشارع السوق باتجاه حارة الأكراد المدمرة والمنهوبة في المدينة.

كما زُينت جدران المدارس وجدران المركز الثقافي بالرسوم والشعارات، وهو المركز الذي تقع في الطرف الثاني من شارعه مقبرة تلكلخ، التي تحكي عشرات القصص عن جرائم النظام ومليشياته وشبيحته.

منحة الدندشي التعليمية

قدمت مجموعة الدندشي "منحة تعليمية" تقضي برعاية (90) طالباً ممن نجح في الشهادة الثانوية، فكانت الأولوية لأقربائه من آل الدندشي، والبقية من طلاب أهالي مدينة تلكلخ وبعض الطلاب النازحين من القرى المحيطة وبعض الطلاب من الطائفة العلوية وعدد قليل من الطلاب المسيحيين.

 تم قيد (50) طالباً وتسجيلهم في الجامعات الخاصة (القلمون، الوادي، الوطنية، الأوروبية، الحواش)، بعدة اختصاصات (الطب، الصيدلة، طب الأسنان، الهندسة، الاقتصاد، الآداب). حيث يتكفل "المرتضى" بدفع القسط السنوي كاملاً لكل طالب مقبول في المنحة بمبالغ كالتالي: (الطب والصيدلة: 1.2 مليون ليرة سورية. طب الأسنان: 1 مليون ليرة سورية، عن كل سنة دراسية، وعن كل طالب. الهندسات والاقتصاد: "800" ألف ليرة سورية، الآداب: "600" ألف ليرة سورية).

وتم قيد وتسجيل (40) طالباً تم توزيعهم على الجامعات الحكومية.

المنحة والقبولات بين الواسطة والتشبيح

أثارت "منحة الدندشي" ضجة كبيرة وبالمقابل نالت سخطاً كبيراً. فقد غلب على اختيار الطلاب فيها الواسطة، ممن هم مقربون للنظام وشبيحته، ولم يتم اختيار الطلاب الذين هم أكثر احتياجاً، وفق ما تم الادعاء به وقت تأسيس المنحة من مجموعة الدندشي، حيث كان الاعلان حينها أن الاختيار سيتم بناء على معياري الكفاءة والأكثر احتياجاً.

وكثيرة هي الحالات التي تم رفض أيتام ومحتاجين متفوقين فيها، هم الأكثر كفاءة واستحقاقاً، ليتم قبول المحسوبين على جهات أمنية وتشبيحية.

مجموعة الدندشي.. أعمال خيرية خجولة

منذ عيد الأضحى حتى يومنا هذا، باتت أعمال "المرتضى" خجولة.

في عيد الأضحى تم تعيين عدد من الشباب والشابات والتنكر بأشكال كاريكاتيرية وجمع الأطفال في حديقة "الحميدي" في الحارة الغربية وإجراء المسابقات وتقديم الهدايا للأطفال في العيد، حيث قامو برمي الهدايا على الأرض وركض الأطفال لالتقاط الهدية الأمر الذي أدى إلى تدافع الأطفال ووقوع بعضهم على الأرض، وشهدنا حالتي إغماء لطفلتين.

في بداية العام الدراسي الحالي، قامت حملة المرتضى من خلال مجموعة من الشباب والشابات-وهم من طلاب منحة الدندشي- بزيارة طلاب المرحلة الابتدائية وتوزيع القرطاسية والهدايا لـ (2000) طفل من طلاب مدينة تلكلخ وريفها حيث تم توزيع:
(4 دفاتر 50 ورقة + دفتر رسم + علبة ألوان + مقلمة + قلم رصاص + ممحاة + مبراة + مسطرة + مطرة ماء + بعض الصور الملونة )، تحت عنوان براق (علم، أخلاق، أدب..).

وبعد تقديم الهدية يُطلب من الطالب تقديم الشكر لـ "عمو المرتضى"، كما روى لنا بعض أهالي الأطفال.

تراجع نشاط وخمود

منذ ذلك الحين- العيد- وحتى اليوم، لم يُعد هناك أي ذكرٍ للـ "المرتضى". ولم يقدم الأخير أي عمل خيري لأهالي مدينة تلكلخ.

وبعد أن كان الحديث حول قيام "المرتضى الدندشي" بدعم إقامة دورة تقوية لطلاب شهادة المرحلتين الاعدادية والثانوية وتمت دعوة الطلاب للالتحاق بالدورة، جاءت المفاجئة بالإعلان أن "المرتضى" رفض تمويل الدورة، وأنه يطالب المعلمين بتقديم الدورة مجاناً، وبدون مقابل. وتم الاعلان أنه تم افتتاح الدورة بتمويل منظمة اليونيسيف، وماتزال الدورة قائمة حتى اليوم لأربع مواد تدريسية في المنهاج.

 كما أُشيع بأن "المرتضى" سيتابع ويشارك في موضوع إعادة تأهيل قرية "الزارة" خدمياً. ليصبح الحديث فيما بعد أن النظام هو من سيعيد تخديمها، وأُبعد اسم "المرتضى الدندشي" نهائياً عن الموضوع.

 إعادة المهجرين إلى مدينة تلكلخ

وكثر الحديث عن أن اتفاقاً تم بين "المرتضى" وأجهزة أمن النظام حول تسوية أوضاع سكان أهالي مدينة تلكلخ المهجرين عنها، وبشكل خاص الملاحقون والمهجرون من عائلته، وإعادتهم إلى مدينة تلكلخ. وكان تم الإعداد للعودة بإخلاء منازل الحارة الغربية من ساكنيها من نازحين وغيرهم (وهي حارة أغلب منازلها لعائلة الدندشي تعرضت للتهجير وأعمال نهب، وتم الاستيلاء على بعضها من مجموعات شبيحة وخاصة مجموعة "كرير").

ولكن الاتفاق لم يُنفذ، ولم تتم عودة أحد من الأهالي.
 
وهنا بدأ تغييب اسم رجل الأعمال "محمد المرتضى الدندشي"، ولم يُعد يذكر كما كان الحال سابقاً.

هل يعني ذلك أن دور الدندشي انتهى، ولم يعد للنظام حاجة به في هذه الفترة؟.. أم لأن النظام بدأ يستشعر تشكل قاعدة شعبية للرجل، فكان لابد من إشارة "قف واخرج من اللعبة"، فالبالون قد ينفجر!


ترك تعليق

التعليق