"اقتصاد" يرصد بالصور.. مراحل تصنيع "الذهب الأخضر" في سوريا


بلا توقف، يتدفق حالياً زيت الزيتون الحمصي من أنابيب ماكينات المعاصر الآلية ونصف الآلية واليدوية، المنتشرة بريف حمص، ولا يتوقف ضجيجها عن الحركة طوال موسم قطاف وعصر الزيتون المتواصل منذ منتصف تشرين أول/أكتوبر الماضي، وحتى نهاية العام الحالي.


الحركة النشطة، لنقل وعصر الزيتون الأخضر والأسود، أمام المعاصر، تبدأ منذ ساعات الصباح الباكر وحتى منتصف الليل، وتتواصل عمليات العصر على أصوات محركات المعاصر، التي تلتهم حبات الزيتون المنقول على "سيور" تصل بها لمطحنة تهشّم وتعجّن وتخلط الثمار المباركة، وتحوّلها، بعد تخميرها لمدة نصف ساعة تقريباً، لسائل لزج يتدفق عبر أنابيب متصلة بمصافي تعزل الماء والشوائب الأخرى عن سائل الزيت الأخضر، والذي يسمى عالمياً بـ "الذهب الأخضر".


التجار بدورهم، اتخذوا المعاصر وساحاتها، نقطة ارتكاز لهم، يتصيدون إنتاج الفلاحين من الزيت، ويعيدون تعبئته ونقله للمستهلكين، أو للتصدير خارج سوريا، حيث يعتبر زيت الزيتون السوري، وخاصة إنتاج إدلب وريفي حمص وحماة الشرقيين، الأجود عالمياً.


العصر مجاناً

يقول "عيسى أحمد"، أحد مزارعي الزيتون بريف حمص الشمالي، إنه اضطر لتأخير موعد قطاف الزيتون من مزرعته هذا العام نتيجة تأخر المطر إلى بداية الشهر الحالي تشرين ثاني/نوفمبر، لافتاً أن هذا العام شهد انخفاضاً كبيراً في أجور عصر الزيت تراوح ما بين (عشرة إلى خمسة ليرات)، وهناك معصرة بريف حمص الشمالي الشرقي تعصر مجاناً لكافة المزارعين، بسبب الظروف التي يمر بها ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي من حصار وتجويع، بينما أجور العصر في باقي أرياف حمص، الخاضعة لسيطرة النظام، تصل إلى 15 ليرة للكيلو غرام الواحد.


وتابع قائلاً: "في بداية الموسم ترواحت أسعار بيع الزيت ما بين (28 إلى 30) ألف ليرة سورية، ولكنها انخفضت تباعاً بسبب طرح كميات كبيرة من الزيت، حيث يعتبر ريف حمص الشمالي من أهم المناطق بمحافظة حمص المنتجة للزيتون وزيته".

وأضاف" أبو علاء"، سائق شاحنة، أنه ينقل يومياً من بلدات" الحولة" و"طلف" و"عقرب"، بريف حمص الشمالي الغربي، وريف حماة الجنوبي، كميات كبيرة من ثمار الزيتون، إلى إحدى المعاصر بريف حمص الشمالي الشرقي، والتي تعتبر من أحدث المعاصر الأتوماتيكية في سوريا، وتعصر مجاناً، مشيراً إلى أن المعصرة لم يتوقف عملها من منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حتى يومنا هذا، ويتوقع أن يستمر حتى مطلع كانون الثاني / يناير القادم، نظراً لأن العصر مجاناً، وإنتاج هذا العام وفير رغم خروج مساحات كبيرة من مزارع الزيتون من الإنتاج بسبب قربها من حواجز النظام أو يباسها وقلعها بسبب ظروف الحرب.


وأشار صاحب معصرة زيتون بقرية "عسيلة"، يدعى "غازي"، أنهم يستقبلون إنتاج المزارعين في هذه الأيام من كل عام، ويعصرون خلال هذا الموسم الزيتون مجاناً وبدون مقابل، ودورهم يتلخص في عصر الزيتون وتسليمه للمزارع في عبوات جاهزة للبيع.

وأضاف في حديث لـ "اقتصاد"، أن معصرته تعد من المعاصر الحديثة في سوريا، وتوقفت عن العمل لمدة ثلاث سنوات بسبب تعرضها المستمر للقصف من قبل حواجز النظام، وبسبب سرقة بعض محتوياتها.


وتابع قائلاً: "إن معاصر الزيتون تعد جزءاً من تراث محافظة حمص، وتنتشر فيها منذ مئات السنين، حيث كانت في الماضي عبارة عن رحى حجرية، وتطورت إلى نصف آلية، وأصبحت الآن أتوماتيكية بكاملها"، منوهاً بأن الطاقة اليومية لمعصرته (خط إنتاج واحد) هي 70 طناً.

ورداً على سؤال لـ "اقتصاد" عن المراحل التي تمر بها ثمار الزيتون قبل أن تخرج زيتا صافياً، قال (غازي)، صاحب المعصرة، "نبدأ بوزن الزيتون ثم ينتقل الزيتون للمرحلة الثانية وهي مرحلة الغسيل آلياً، وينتقل بعدها لمرحلة الجرش والطحن ومن ثم إلى العجّانات وعملية التخمّر، التي تستغرق من نصف ساعة إلى ساعة، وبعد ذلك مرحلة الفرز عن طريق القوة النافرة، حيث يتم فرز الزيت عن الماء والشوائب الأخرى، وهي أهم المراحل وآخرها".


نسبة الزيت ما بين 14- 18%

ورداً على سؤال أخير لـ "اقتصاد"، حول شكوى الفلاحين من تدني نسبة الزيت المستخرج لهذا العام، قال: "بسبب ظروف الحرب وانتشار ظاهرة سرقة ثمار الزيتون من البساتين ليلاً من قبل اللصوص، لجأ معظم المزارعين إلى قطاف الثمار قبل نضوجها، وقبل هطول الأمطار، فكانت النسبة المئوية في الشهر الماضي تتراوح ما بين (13 إلى 15)%، ارتفعت حالياً إلى 18%، ويُتوقع أن تصل في بداية الشهر القادم إلى نحو 22%.

 وينصح السيد غازي بأن ينتظر المزارع نضوج الزيتون قبل قطفه حتى ولو تأخر إلى نهاية الشهر الحادي عشر.


تصدير 90 ألف طن

في سياق متصل، علم موقع "اقتصاد"، أن تجّار الزيت قاموا خلال هذا العام، بتصدير كمية تقدّر بنحو 90 ألف طن من زيت الزيتون لدول الخليج العربي وبعض الدول الأوروبية بسعر3700 دولار أمريكي للطن الواحد.

وقال تاجر يدعى أبو محمد (اسم مستعار)، من حماة، إن ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن السوري، تعتبر السبب الرئيس وراء تصدير هذه الكمية المرتفعة، والتي تعادل إنتاج عام كامل تقريباً في ظل سنوات الحرب في سوريا، مضيفاً في تصريح لـ "اقتصاد"، أنه صدّر لوحده خلال الأشهر الماضية 60 طناً من زيت الزيتون الممتاز للسعودية، وأن الكمية المصدّرة هي مخزون سوريا من زيت الزيتون لثلاث سنوات مضت، وهذا ما دفع أسعار الزيت إلى أن تحلّق عالياً، حيث وصل سعرالعبوة (16كغ) إلى نحو33 ألف ليرة، بينما كان سعرها في العام 2012، لا يتجاوز3 آلاف ليرة سوية.


ترك تعليق

التعليق