السماد يتحدى شحنات السلاح.. كيف أثرى النظام وتجار الحروب على حساب الزراعة؟
- بواسطة عبد الكريم أيوب - خاص - اقتصاد --
- 12 تشرين الثاني 2017 --
- 0 تعليقات
منذ لحظة تسلم حافظ الأسد للسلطة الفعلية في سوريا، فرض هيمنته على كافة مفاصل الدولة، فعمل على نشر قراصنة ضَمِنَ ولائهم المطلق في جميع قطاعات الاقتصاد في سوريا، من التبغ إلى النفط، ووصولاً إلى الزراعة ومستلزماتها، المهنة الرئيسية لعموم الشعب السوري.
ففي حقبة الأسدين، تمت السيطرة على المزارعين بعثياً، عن طريق اتحاد الفلاحين والروابط والجمعيات الفلاحية، ومؤسساتياً، عن طريق المصرف الزراعي، ليتدخل في تحديد أطر المشاريع الزراعية المنفذة في كل منطقة، والسيطرة عن طريق هذه المنظومات الاحتكارية على مشاريع الزراعة في البلاد. فالنظام الحاكم هو المورد الوحيد للبذار والأسمدة، وهو المستهلك الأوحد للمحاصيل الاستراتيجية.
المصرف الزراعي.. محتكر
اقتصر عمل المصرف الزراعي على تقديم الدعم المالي أو اللوجستي للمزارعين لزارعة المحاصيل الاستراتيجية التي تضمنت القمح والشمندر السكري والقطن، بقروض ذات فوائد زهيدة. واحتكر المصرف تقديم الأسمدة والبذور، فلا وجود لأي سوق موازية تدخل على خط المنافسة، مما جعله منظومة احتكارية بامتياز، ظهر ضررها بشكل واضح على المزارعين إبان الثورة.
فبعد اندلاع الثورة، وخروج مناطق واسعة عن سيطرة النظام، سُحبت المؤسسات الحكومية بكافة أشكالها من هذه المناطق. ومع خروج المصرف الزراعي من هذه المناطق، تُرك المزارعون بلا مورد للأسمدة والبذور، ما جعلهم فريسة سهلة لتجار الحرب، مما خلق مشكلة حقيقية عجزت المؤسسات الثورية عن حلها.
المهندس الزراعي لؤي النجار، رئيس شعبة الثروة النباتية في دائرة زراعة الرستن سابقاً، تحدث لـ "اقتصاد": "كان المصرف الزراعي يقدم الأسمدة والبذار للمزارعين عن طريق الجمعيات الزراعية، أو للمزارعين الفرديين عن طريق رخص تقدم أصولاً ويتم صرفها إما عيناً أو نقداً، لكن لعدم توفر أي سوق موازية منافسة للمصرف الزراعي، يضطر المزارعون إلى صرف الكمية كمواد عينية".
وتابع النجار: "تواجدت السوق السوداء للأسمدة على نطاق محدود جداً، بسبب عدم بيع السماد من المعامل الحكومية إلا للمصرف الزراعي حصراً، مما اضطر بعض التجار للجوء إلى استخدام نفوذ سلطوي أو تقديم رشاوى لموظفي المصرف للموافقة على منح الأسمدة برخص وهمية ليتم طرحها بالسوق السوداء بكميات محدودة، وقد تم السماح باستيراد الأسمدة منذ 2009 بشكل محدود لبعض التجار المتنفذين".
للسماد أعلى تسعيرة على حواجز النظام
مع عسكرة الثورة السورية، ظهر سماد "الأمونيوم" كعنصر أساسي في صناعة المتفجرات المحلية، مما جعل الاتجار بالأسمدة بشكل عام من أخطر وأربح الأعمال التجارية في زمن الحرب، فقد تراوحت تسعيرة دخول كيس السماد الواحد من 4.000 إلى 10.000 ليرة سورية من مناطق النظام إلى المناطق المحررة، متخطياً بذلك حتى تكلفة إدخال شحنات السلاح تقريباً.
ومع ارتفاع المجهود الحربي لدى النظام، رفع أسعار السماد بشكل كبير، فقد ارتفع سعر كيس اليوريا من 825 إلى 4850 ليرة، وسعر كيس السوبر من 1200 إلى 5500 ليرة، من مستودعات المصرف الزراعي.
ومع خروج الأرياف بشكل عام عن سيطرة النظام، أصبح الطلب في السوق السوداء أكبر من الطلب على المصرف الزراعي مما أدى إلى ظهور مجموعة من المتنفذين لدى المصرف الزراعي، يقومون باستدراج السماد من المصرف وطرحه بالسوق بطرق غير قانونية، فوصل سعر كيس السوبر في السوق السوداء لدى النظام 9000 ليرة، وكيس اليوريا 7000 ليرة، ويتم إدخال شحنات إلى الأرياف بتنسيق مع تجار المعابر وبفرض ضرائب باهظة.
أبو خليل، أحد مزارعي مدينة الرستن، تحدث لـ "اقتصاد": "بعد أن رفع المصرف الزراعي يده عن المنطقة أصبح التجار هم المتحكمون بأسعار الأسمدة في ريف حمص. فالعام الماضي وصل سعر كيس اليوريا إلى 35.000 ليرة سورية، ونحن كمزارعين مضطرون لشرائه للحصول على مردود مقبول من المحاصيل المزروعة".
بدوره، عقّب المهندس الزراعي لؤي النجار، قائلاً: "إن ارتباط السماد بصناعة المتفجرات جعل تكلفة إدخاله الى الريف مرتفعة مما زاد الأعباء على المزارعين".
السماد العضوي بديل جيد
ارتفاع أسعار السماد الكيميائي أجبرت المزارعين على الاعتماد بشكل أكبر على السماد العضوي "روث الحيوانات"، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الأخير أيضاً، فقد وصل سعر سيارة السماد العضوي من الغنم أو البقر إلى 25 ألف ليرة سورية، وثمن السماد العضوي الذي تنتجه مدجنة واحدة تحوي 5 آلاف صوص وصل إلى أكثر من 100 ألف ليرة سورية.
وعلى الرغم من الدعم المقدم من برنامج الأمن الغذائي السوري ومؤسسة إكثار البذار والشركة الزراعية في محافظة حمص، إلا أن ارتفاع أسعار الأسمدة جعل معظم المزارعين في حالة من العجز.
وبذلك، تمكن النظام، وتجار الحروب، من الإثراء على حساب أوسع القطاعات الاقتصادية في سوريا، الزراعة.
التعليق