طير يصل سعره لـ 12 مليون ليرة.. عام مميز لصائدي "الصقور" في القلمون الشرقي


يستمر موسم صيد "الصقور" المهاجرة في منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، حيث توجه العشرات من أبناء المنطقة المخضرمين منهم والهواة إلى "أكواخهم" التي بنوها في البادية السورية، مستفيدين من تحسن الظروف الأمنية التي تشهدها المنطقة، للعودة لممارسة هذه المهنة التي توارثوها من جيلٍ إلى جيل.

لم يكن لدى الشاب "محمد"، أحد عناصر المعارضة في منطقة القلمون الشرقي، أي خبرةٍ سابقة في صيد مثل هذا النوع من الطيور، إلا أن سماعه الدائم لقصص جده المستمرة عنها، ولّد في نفسه رغبةً كبيرة لخوض غمارها وصقل تجربته في موسمها الحالي.

وقال "محمد" في تصريح خاص لموقع "اقتصاد": "كنت أجلس لأوقاتٍ طويلة مع جدي لأبي، أسمع منه قصص "الطرّاحين"، وتجاربهم أثناء فترة "الكوخ" أو "القنيص"، كما تعلمت منه أيضاً أساليب وطرق بناء "الكوخ" وإعداده، إضافةً إلى الصبر الطويل الذي يجب أن يتحلى به "الطرّاح" للظفر بـصيدٍ ثمين".

وأضاف: "عندما شعرت أنني تعلمت الكثير عن أمور صيد "الطير الحر"، قررت في هذا العام أن أجرب حظي مستعيناً بنصائح جدي وبعض أدواته التي كان يستخدمها سابقاً لممارسة هذه "الحرفة" التي ورثها عن والده".

وأردف "محمد" بالقول: "مع هدوء المعارك في جبال القلمون الشرقي، وانحسار تنظيم "الدولة الإسلامية"،  قمت بنصب "كوخي" على إحدى التلال التي تطل على سهل واسع، وكنت أذهب إليه بشكلٍ منتظم عقب انتهاء فترة رباطي في إحدى نقاط المراقبة والاستطلاع التابعة للمعارضة في المنطقة".


واستدرك "محمد": "لا شك أن تجربتي في "الكوخ" كانت رائعة ومفيدة، فبعد فترة شهر تقريباً، تمكنت من صيد "كوسيه" صُنفت بأنها الأولى من نوعها التي تقع في المنطقة منذ مرور عدّة سنوات، مشيراً كذلك إلى أن سعرها وصل إلى 12 مليون ليرة سورية، وهي كفيلة بتغطية تكاليف شراء منزل جديد لعائلتي عوضاً عن بيت الأجرة الذي نبيت فيه حالياً".

وكما يقول أبناء القلمون الشرقي، فإن الظفر بـ "الطير الحر" يعتبر بمثابة هبة "رزقة" من عند "الله"، كما تعدّ هذه السنة مميزة بالنسبة لأهالي وأبناء مدن "جيرود" و"الرحيبة"، لكونها شهدت تسجيل 5 حوادث صيد حتى الآن، منها "الصقر" و"الكوسيه" و"التبع"، ووصل سعر أقلها إلى 2 مليون ليرة سورية، وبيعت جميعها إلى تجارٍ من المنطقة نفسها، إذ يقومون بدورهم ببيعها لقاء أرباحٍ إضافية إلى دول الخليج العربي.


وحول طريقة وآلية بيع "الطائر الحر"، قال "أبو شاهين"، أحد "الطرّاحين" المعروفين في مدينة "الرحيبة"، "ما إن يقع "الصقر" فريسة بشباك "الطرّاح"، حتى يصل خبره إلى أهل المدينة، وبالتالي يسارع الجميع من الأهل والأقارب، فضلاً عن التجار إلى الاجتماع في دار "الطرّاح" قبيل وصوله إلى المدينة مع صيده بعدة ساعات".

وأضاف في حديثه مع "اقتصاد": "عند وصول "الصيده" لا بد من تهدئتها أولاً، لأن "الصقر" أو "الكوسيه"، يكونان في حالة رعب وذهول، لذا يقوم الصياد بإعطاء صيده بعض الماء ويحاول إطعامه قبل عرضه على التجار، وخلال هذا الوقت تكون لهفة التجار لرؤية الطائر قد وصلت إلى ذروتها".

يُعرض "الصقر" للبيع في مزادٍ محلي شعبي، ويوضع مثبتاً على وسادة قاسية بعض الشيء، أو مسندٍ خشبي مصنع خصيصاً ليقف عليه، ويكون معصوب العينين بواسطة "البرقع"، ثمّ يقوم أحد التجار بمعاينته وأخذ مقاساته طولاً من الذيل إلى الكتف، بالإضافة إلى قياس عرض الصدر، ووفقاً لما أشار إليه "أبو شاهين" فإن عرض صدر "الصقر" يشكل كما هو متعارف عليه العامل الأبرز في ارتفاع سعره، ناهيك عن لونه وسلامة ريشه منذ لحظة وقوعه في الأسر.

بعد ذلك يبدأ أحد التجار المزايدة "التحريج"، على الطير، وهنا تظهر حنكة الصياد في طريقة جمعه لتجار "الصقور"، لذلك يحرص على جمعهم فرادى وعدم إعطائهم الفرصة لإبرام أي اتفاق قبل جلسة البيع أو حتى مشاركتهم فيه، لأن ذلك يعني خسارته بعضاً من قيمة "الصقر" الحقيقية.

 وختم "أبو شاهين" بالقول: "يستمر مزاد الطير في جو احتفالي، حتى وصول السعر حدّه الأعلى وهنا لا بدّ من مباركة الصياد للتاجر حتى يتم البيع".


يبدأ موسم صيد "الصقر" في شهر أيلول/ سبتمبر، وينتهي أواخر شهر تشرين الثاني/ أكتوبر من كل عام، وهي الفترة التي يهاجر فيها هذا الطائر بين قارتي أفريقيا وأوربا تبعاً لتقلبات المناخ صيفاً شتاءً، وتُصنف مدينة "الرحيبة" كإحدى أهم مراكز تجارته على مستوى الوطن العربي لبراعة أبنائها باصطياد جميع أنواعه المهاجرة.

ترك تعليق

التعليق