تلكلخ في ظل النظام.. ثلاثة ألوان طائفية، يحكمها التمييز


تعيش مدينة تلكلخ الواقعة في ريف حمص الغربي، بالإضافة للقرى المحيطة بها، نوعاً من الاستقرار الخالي من الحراك والأعمال الثورية، بكافة نواحيها وقراها، العلوية والمسيحية والسنية، وذلك بعد السيطرة على المناطق الثائرة وارتكاب المجازر والنهب المتعمد والتهجير الممنهج.

 الاستقرار "الأمني" واشتداد قبضته، بلغ أشده بعد تطوع الكثير من شباب المنطقة وخاصة "العلويين والمسيحيين" وبقايا من الشباب "السُنة" في صفوف مجموعات "الدفاع الوطني" أو في صفوف الجيش والقوى الأمنية.

في حين يلاحظ أن الكثير من الشباب "المسيحي" فضل الهجرة إلى الدول الأجنبية حيث يتم قبولهم فوراً عند تقديم طلب اللجوء أو تقديم طلب للدراسة في إحدى سفارات هذه الدول.

تمييز خدمي لقرى وادي النصارى

عند الدخول إلى قرى وادي النصارى تشعر وكأنك خارج سوريا، فقد سعى النظام جاهداً لعدم نقل مجريات وتأثيرات الثورة إليها، بل تم استخدام سكان تلك القرى كوسيلة ضغط وابتزاز لصالح النظام، لدى الدول الغربية، بعد ثورة أهالي الحصن والزارة والقرى المحيطة، من منطلق أن المسيحيين أصبحوا مهددين بأعمال انتقام وتصفية وعنصرية، الأمر الذي استُغل لحرف الاهتمام عن الحقوق المشروعة للثائرين، إلى جهة إطلاق يد النظام في أعمال القمع والتهجير لأبناء المناطق الثائرة، بحجة "الإرهاب وحماية الأقليات".

لم تعش قرى وادي النصارى، يوماً، آلام الصراع، ولم تطلق رصاصة فيها، ولم يروّع أطفالها، ولم تعش الحصار ذات يوم، ولم يمنع عنها الخبز يوماً، ولم يجع أطفالها، ولم تُخطف نساؤها، ولم تتوقف يوماً مدارسها عن التعليم، ولم تُحرق أراضيها، ولم تتوقف مواسمها.. وها هي أراضيهم تعطي المواسم على أيدي النساء المهجرات والنازحات، نتيجة أفعال شبيحة النظام.

حيث أصبحت الكثير من النساء من أهالي القرى "السنية"، وبعد غياب المعيل والقتل والنزوح والقهر، تعمل (6-7) ساعات بأجرة تتراوح بين (300-400) ليرة سورية لساعة العمل الواحدة.

غلاء وراتفاع تكاليف ضريبة الأمان المزعوم

 لكن في المقابل، يعاني أهالي وادي النصارى كباقي مناطق النظام من غلاء الأسعار، وكثيراً ما تجد الموظفين منهم في مدينة تلكلخ يتجولون في سوقها من أجل شراء احتياجاتهم الضرورية، والسبب وجود فرق في الأسعار مقارنة بمحلاتهم وأسواق قراهم ومناطقهم.

 ويرجع ذلك إلى أجور الطرقات، حيث توقفت كافة السرافيس التي كانت تعمل بين تلكلخ وقرى المنطقة منذ بداية الثورة، ويضطر الشخص إلى أخذ سيارة خاصة بأجور مرتفعة قد تصل إلى (6) آلاف ليرة سورية.

 الضريبة الأخرى التي يدفعها سكان وادي النصارى، هي أرق الخدمة العسكرية لدى النظام، فالكثير منهم بات يعمل على منع أبنائهم ممن هم في سن "السوق" للخدمة، أو ممن أنهى الدراسة الجامعية، من الخروج من قريتهم إلى خارجها، والمرور على حواجز النظام. وأغلب الأهالي هناك، يبحثون اليوم عن طرق لتهريب أبنائهم من الخدمة العسكرية، إلى لبنان.

حيث روى (م . ك) لـ "اقتصاد"، على لسان أحد الأشخاص "المسيحيين"، أنه جاءت سيارة فيها شخص من "حزب الله"، وأخذت ولده إلى لبنان بمبلغ ( 1000 دولار)، وبعدها سافر ولده إلى ألمانيا.

خيرات ومقومات ودخل جيد

تمتاز قرى وادي النصارى بكثرة أراضيها وخيراتها وجمال طبيعتها وأصحابها من ذوي الدخل المادي الجيد، ومعظمهم موظفون لدى الدولة، وباستطاعتهم إقامة مشاريع خاصة بهم، بالإضافة إلى التحويلات المالية الوفيرة من المغتربين الكثُر من أبناء هذه القرى.

في حين أن القرى العلوية، غالبية شبابها فضلوا الانضمام لمجموعات "الشبيحة" ومجموعات "الدفاع الوطني" بدلاً من اقتيادهم إلى خدمة العلم أو خدمة الاحتياط.

 ولم يعانوا من عملية التهجير من بيوتهم وأراضيهم، في مقابل خسارة كبيرة من القتلى في السنوات الأولى للثورة.
 
ولكن بعد دخول روسيا وإيران والمليشيات الطائفية الكثيرة للقتال بقوة لصالح النظام، تراجعت نسبة القتلى في صفوف أبناء القرى العلوية في المنطقة، وأصبحت مهمتهم الأساسية، التعفيش والخطف والسرقات، بشكل خاص بعد السيطرة على المناطق الثائرة. وكثيراً ما تشاهد قوافل محملة بالمسروقات"المعفشة"، تدخل منطقة تلكلخ، لتعبر إلى قراهم.

 بالإضافة لذلك، يتابع كبار السن والقليل ممن لم ينضم للشبيحة من هذه القرى، العمل برعي المواشي والزراعة.

القرى السنية.. تهجير وتضييق

أما القرى السنية في منطقة تلكلخ فهي أيضاً تعيش استقراراً أمنياً بعد التهجير القسري والممنهج لغالبية شبابها وأهلها وحتى القرى التي لم تشارك في الحراك الثوري لا تجد فيها سوى النساء والأطفال والرجال فوق سن الأربعين يعملون بأرزاقها.

 في حين أهالي قرية الحصن والشواهد وبعد إعادة بعضهم إلى قراهم، فهم اليوم يحاولون التأقلم على حياة جديدة لم يعتادوها وسط صعوبة الظروف وخاصة من محيطهم، من أجل البقاء، فهم يحاولون إعادة استثمار أراضيهم بظروف قاسية، كما تعمل جمعيات خاصة بتشغيل النساء في صناعة عدة أعمال يدوية من أجل تأمين دخل لهم يساعدهم على العيش براتب شهري (42) ألف ليرة سورية.

 تهديد ووعيد لإفشال إعادة الأهالي إلى القرى المهجرة

البعض من أهالي قرية الزارة والحصرجية -المهجرتين والمنهوبتين بشكل كامل- يتقدمون هذه الأيام إلى قسم بلدية الزارة في تلكلخ بطلبات للعودة إلى قريتهما، وتقديم بيان عائلي لدراسة وضع كل أسرة من جهات أمن النظام.

يطفو على السطح، كما هو متوقع، محاولات لإفشال إعادة الأهالي إلى قراهم ومنازلهم.

وقد وقعت اعتداءات تقوم بها فئات من أهالي القرى "العلوية" المحيطة ضد بعض الأشخاص من أهالي قرية "الزارة" بعد انتشار قرار الموافقة على عودتهم إلى قريتهم، كالاعتداء ومحاولة قتل موظف الكهرباء لدى دخوله إلى قرية "قميري" القريبة من خط توتر الكهرباء المتوسط الموصل لقرية الزارة، لتصليح أحد الأعطال، حيث حاول أحد الأشخاص من "الشبيحة" الاعتداء عليه، ووعد  وهدد بصوت عال بقتل عشرة أشخاص من قرية الزارة.

وكذلك اجتماع مجموعة من الشباب "العلويين" وقيامهم بضرب أحد الأشخاص من قرية الزارة قرب الفرن الآلي بتلكلخ وهو يشتري الخبز وتهديده بالقتل عند العودة إلى قرية الزارة.

اليوم.. صرخات التهديد بدأت تعلو لمجرد صدور قرار العودة للمهجرين، رغم أنه حتى اللحظة، لم يتم تمديد سلك كهربائي في القرية.

فمن يلملم شظايا مجتمع النظام القائم على التمييز الطائفي والمناطقي؟!


ترك تعليق

التعليق