التعشيب.. خيار عناصر التنظيم في جنوب دمشق


شكل الإغراء المالي أهم عوامل جذب الشبان للانضمام إلى تنظيم الدولة في جنوب دمشق، خاصة أننا نتحدث عن مناطق كانت ترزح تحت الحصار وتعيش أوضاعاً اقتصادية سيئة للغاية، وفرصة الحصول على عمل تكاد تكون معدومة، الأمر الذي سهل المهمة على التنظيم.

 وفي جنوب العاصمة تمكن التنظيم من زيادة عدد عناصره خلال فترة زمنية قياسية مستغلاً حاجة السكان المحليين، ومستفيداً من الطفرة المالية التي مر بها التنظيم والتي بدأت منذ سيطرته على الموصل وتمكنه من الاستيلاء على كمية ضخمة من الأموال والذهب وما تبعها من استثمار التنظيم لحقول النفط وتخصيصه مرتبات مرتفعة نسبياً لعناصره في كافة المناطق التي يسيطر عليها.

 لكن يمكن القول إن هذه الطفرة انتهت نتيجة الانتكاسات والهزائم التي تعرض لها التنظيم سواء في سوريا أو العراق.
 
أكثر من أربعة أشهر مضت، وعناصر تنظيم الدولة في جنوب العاصمة لم يتسلموا مستحقاتهم المالية نتيجة عدم إرسال مخصصات الرواتب من قبل قيادة التنظيم، الأمر الذي أفرز أزمة مالية لدى أناس اعتادوا الإنفاق ببذخ الأمر الذي دفع الكثيرين منهم للبحث عن وسائل تؤمن لهم المال، وكان الخيار الوحيد أمامهم، "التعشيب"، وهو مصطلح محلي يوازي مصطلح التعفيش الذي تمارسه قوات النظام، وهو يرمز إلى نهب المناطق التي تسيطر عليها القوات النظامية والمليشيات الموالية لها وبيع المسروقات في المناطق الخاضعة أساساً لسيطرة النظام.

الفارق الوحيد هنا أن عملية النهب تتم من المنازل المهجورة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في جنوب دمشق (مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن والعسالي)، ويتم إخراجها عبر حاجز القدم، لبيعها في مناطق النظام بعد أن يفرض عليها حاجز قوات النظام أتاوة ليس لها نسبة ثابتة لكنها على البركة، كما يقول (م ، ج)، أحد سكان مخيم اليرموك، في تصريح لـ "اقتصاد": "المفارقة الغريبة أن حاجز تنظيم الدولة سواء في منطقة العسالي أو حاجز العروبة يمنع المدنيين من إخراج أي قطعة كهربائية مهما صغرت وحتى لو كانت من منازلهم ولكنه يغض الطرف عن نساء عناصر التنظيم اللواتي بدأن ينشطن في إخراج القطع الكهربائية الصغيرة من خلاطات وماكينات لحمة وسيشوارات، وبيعها في دمشق بعد دفع ضريبة لعناصر قوات النظام. وهذه الضريبة ليست محددة بنسبة ثابتة لكنها على البركة، بحسب ما يقدره المسؤول على الحاجز، أما بالنسبة للقطع الكبيرة كالغسالات والبرادات والمكيفات فهي مهمة وكلاء معظمهم يعمل في لجان المصالحة لحي العسالي، ويتم إخراجها سراً".

إضافة لبيع الأدوات الكهربائية، لجأ عدد من عناصر التنظيم لبيع البلاستيك، كالخزانات والكراسي للعاملين في محارق المواد والتي تنتج الوقود من البلاستيك حيث يباع الكيلو الواحد من البلاستيك بـ70 ليرة سورية.

 مصادر محلية أوضحت لـ "اقتصاد" أن القليل من عناصر التنظيم والذين لديهم أقارب خارج البلاد أصبحوا يعتمدون على حوالات مالية من أقاربهم، كما أكدت المصادر أن التنظيم بدأ بسياسة تقشف، حيث أوقف عمال الحفر المدنيين الذين كانوا يعملون مقابل أجرة يومية. وتابع المصدر أن التنظيم  في جنوب العاصمة لم يفلس، وهو يمتلك مدخرات مالية تكفيه للاستمرار لفترة جيدة، لكن هذه المدخرات غير مخصصة كمرتبات للعناصر.

المحال التجارية في مناطق الدولة أغلقت باب البيع بالدين نهائياً، وعدد منها أغلق أبوابه نتيجة استنزاف بضائع المحل بالدين، وهذا الأمر يوضحه أحد أصحاب المحال في سوق العروبة، "الوضع سيء للغاية. اعتماد السوق كان على عناصر الدولة لكن للأسف أصبحوا الآن عبئاً على السوق. منذ فترة  وقسم كبير منهم يشتري بالدين. حساباتهم بلغت أرقاماً كبيرة. للأمانة هم لا يتأخرون عن سداد ذممهم عندما يتسلمون المال. لكن الوضع الآن مختلف، فإمكانية صرف مستحقاتهم قد تكون مستحيلة في ظل الأوضاع الحالية والانهيارات التي يتعرض لها التنظيم. العديد من المحلات أغلقت أبوابها، فـ رأسمال مالكها تحول لديون والمحال القليلة المستمرة بالعمل أوقفت باب الدين نهائياً".

لا يقتصر الأمر على أزمة مالية يمر بها عناصر التنظيم نتيجة عدم صرف مرتباتهم، بل أصبحت تبعيتهم للتنظيم الذي لطالما رفع شعار "باقية وتتمدد"، والذي يعيش الآن حالة من الانحسار والتراجع، غدت تبعيتهم له مشكلة حقيقية، والخيارات المتاحة أمامهم ضيقة جداً.

ترك تعليق

التعليق