الليرة قوية على السوريين.. والمركزي وتجار العملة كحال "أميركا وإيران"


قبل عصر يوم الاثنين الفائت (16 تشرين الأول/أكتوبر)، وفيما كان الدولار يتجه هبوطاً إلى أدنى أسعاره في دمشق، منذ أكثر من 15 شهراً، كان تجار السوق السوداء يرفضون شراء الدولار، متذرعين بعدم توافر العملة السورية بين أيديهم.

في اليوم الذي سبقه، كانت إدارة مصرف سورية المركزي قد أعلنت عن اعتماد تعليمات وخطط لضبط سوق العملة، مشيرةً إلى أنها ستكون جاهزة في اليوم التالي، أي يوم الاثنين. وهو اليوم الذي سجل فيه الدولار انخفاضه الكبير.

علّق دريد درغام، مدير المركزي، على ذلك، بتصريحات تكشف استيائه من هذا الانخفاض، الذي أرجعه إلى تلاعب تجار العملة. لكن لدى بعض الناشطين في سوق الصرافة رأيٌ آخر.

المركزي وتجار السوداء.. أميركا وإيران

"أبو ماهر"، وهو عامل في إحدى شركات الصرافة، قال لـ "اقتصاد": "لم يتبع المركزي لهجته العدائية تجاه شركات الصرافة، على غير العادة. أعتقد أن المركزي يرى في هذا الانخفاض نجاحاً، في حين تراه شركات الصرافة جحيماً".

وعقّب: "اللهجة العدائية بين الشركات والمركزي هي كالعداوة بين أميركا وإيران، فهم في العلن يُظهرون بأنهم في عداء دائم، بينما العلاقات تُعتبر حميمية بينهم".

لكن سمير أبو سمرة، الباحث الاقتصادي المقيم في دمشق، كان له رأي آخر في أحد جوانب هذا الملف. "المركزي يسعى لتثبيت الدولار بسعر 500 ليرة".

من جانب آخر، يتفق "أبو سمرة" مع الناشط في شركات الصرافة، في توصيف العلاقة بين النظام وتجار العملة. فهم حلفاء غير معلنين. يقول "أبو سمرة" لـ "اقتصاد": يُؤثر تجار السوق السوداء في مناطق المعارضة بشكل يخدم النظام. فحين وصل الدولار إلى أخفض قيمة له في العاصمة كان سعره في بعض مناطق المعارضة، قرب دمشق، أقل بحوالي 50 ليرة".

وعقّب "أبو سمرة": "يرفض النظام الاعتراف باستفادته من تجارة العملة الناشطة بين مناطق النظام ومناطق المعارضة. ويصف الطرف الآخر بالخونة".

وبالعودة إلى سعر صرف الدولار، لا يبدو أن العلاقة بين المركزي وشركات الصرافة علاقة تبعيّة، بل هي أقرب إلى حالة النديّة، يقول "أبو سمرة": "المركزي يرحب بأي انخفاض يعتبره آمناً دون ارتدادات. إلا أنه لا يستطيع تطبيق أي خطة يفكر باعتمادها بسبب الأحوال الاقتصادية السيئة التي تعيشها البلاد، ووجود شركات الصرافة التي يُعتبر سعرها هو المعتمد لدى المواطن، بعيداً عن النشرات وأسعار المركزي".

الحوالات وويلات المواطنين

وبخلاف المتوقع من نتائج لذلك الانخفاض الكبير في سعر الدولار، شهت أسعار الكثير من السلع ارتفاعاً كبيراً في سوق العاصمة، بدايةً من الغذاء ووصولاً الى اللباس.

يضاف إلى ذلك قيام المركزي بإصدار قرار بخصوص الحوالات الخارجية عبر شركات الحوالات التابعة له، يقضي بتسليم  الحوالة الواردة والتي تقل قيمتها عن 1000 دولار بالليرة السورية، فيما الحوالات التي تزيد قيمتها عن 1000 دولار سيتم تنفيذ إجراءات أخرى بخصوصها، بدايةً من الضرائب، وصولاً إلى التحقيقات الأمنية بخصوص الحوالة.

وقد قال محمد أحد، من سكان العاصمة، في تصريح لـ "اقتصاد": "الحوالات التي تردنا من أقربائنا باتت مشكلة بالنسبة لنا. فعند الاستلام تنقص من قيمة الحوالة بسبب رسوم التحويل الكبيرة إضافة إلى استلامها بالليرة السورية والإجراءات الأمنية المشددة على الحوالات".
 
الليرة قوية على المواطن

وفيما تشهد الليرة السورية ارتفاعاً مقابل العملات الأخرى في ظل تقدم قوات النظام في مدينة دير الزور، وسيطرتها على بعض حقول النفط، بقيت أسعار معظم السلع والبضائع في معزل عن تحسن سعر الصرف، وواصلت الارتفاع مع قدوم فصل الشتاء.

"أبو ضياء الشامي"، ناشط إعلامي في دمشق، قال لـ "اقتصاد": "انخفاض سعر الدولار أثّر سلباً على المواطنين. ففي حين تظهر الحكومة بصورة المصلح لتخفيضها أسعار بعض المواد غير الأساسية في حياة المواطن، كالشاورما والفروج والفلافل والمعجنات، تغيب اللحوم عن موائدهم، وترتفع أسعار بعض المواد الأساسية كالرز والبيض والزيت".

وأضاف: "لا يمكن للحكومة أن تضبط سعر السوق بسبب حالة الفوضى التي يعيشها، فلا تموين ولا صحة ولا غيره. كل يغني على ليلاه".

يُذكر أن إيجارات المنازل في العاصمة دمشق باتت تُقيّم بالدولار، إذ لا يوجد منزل اليوم يقل إيجاره عن 200 دولار عدا عن فواتير المياه والكهرباء التي باتت خيالية.

وهكذا، سواء تحسنت الليرة أو تراجعت، لا فرق على صعيد معيشة السوريين، باستثناء التدهور المستمر، حسبما يظهر في الأيام القليلة الماضية.

ترك تعليق

التعليق