الشتاء بين العاصمة دمشق، وجنوبها المُحاصر


ترك فصل الشتاء من العام الماضي في منطقة جنوب دمشق المحاصرة، أثراً سلبياً كبيراً على قاطني المنطقة، وبلغت مُعاناتهم أسوأ الدرجات، حيث توافد إلى المستشفى الوحيدة في بلدة يلدا، المئات من المحاصرين، منهم أطفال ونساء كانوا قد تعرضوا لأزمات ربو حادّة بسبب استخدام النايلون والألبسة البالية والكاوتشوك وروث البقر بعد تجفيفه، في مدفأة المنزل.

غياث عبد الرحمن، مُحاصر في بلدة يلدا وربُّ أسرةٍ مكونةٍ من خمسة أشخاص قال لـ "اقتصاد"، إنّ شتاء العام الحالي رُبما يكون أسوأ من الأعوام السابقة، فسعر مادة الحطب في جنوب دمشق يُباع حالياً بـ 75 ليرة سورية للكيلو الواحد، وفي أوج فصل الشتاء وموجات الصقيع وكنتيجة طبيعية لكثرة الطلب، سيبلغ أسعاراً مُضاعفة، بينما في مُنتصف شتاء العام الماضي ووسط موجات الصقيع تم بيع كيلو الحطب بين 100 و125 ليرة.

وعن الوسائل التي استخدمها عبد الرحمن لتدفئة أسرته في شتاء العام الماضي، قال إنّه أمضى نصف الفصل بالاعتماد على ما حصل عليه من الجمعيات الخيرية، والنصف الآخر على ما وجده في الطرقات من مواد النايلون وإطارات السيارات البالية.

السيد (ف . ع)، مُقيم في مدينة جرمانا، قال لـ "اقتصاد"، إنّ غالبية سكان العاصمة بدؤوا باستلام مادة المازوت المُخصص للتدفئة على مرحلتين، الأولى حالياً، والثانية في مطلع العام القادم. وبحسب تسعيرة وزارة التموين يدفع سكان العاصمة ثمن ليتر المازوت الواحد 180 ليرة سورية.

وأردف أنّ أبسط العائلات تستطيع تأمين تكلفة المازوت المدعوم بسبب انتعاش أسواق العاصمة وازدياد الحركة الاقتصادية والأعمال نتيجةً لتحسن وضع الكهرباء وتخفيض ساعات التقنين.

وحسب السيد (ف . ع)، إن بقي تحسن الكهرباء على  ما هو عليه الآن، فستكون الملجأ الأول للتدفئة عبر عمليات سرقة الخطوط خصوصاً في الأزقة البعيدة عن الشوارع العامة.

ويُباع الليتر الواحد من المازوت في أسواق جنوب دمشق بـ 450 ليرة، الأمر الذي يتطلب مبلغ 2000 ليرة سورية ثمن 5 ليترات مازوت بشكل يومي، وهذا ما لا تستطيع العائلات المُحاصرة توفيره بسبب انعدام العمل وفقدان كافة الموارد المالية.

وقد بلغت نسبة تجفيف الدعم الذي تعرضت له المؤسسات العاملة في المجال الخيري، ما يُقارب 50%، مُقارنة بالعام الماضي، بحسب ما قاله لـ "اقتصاد"، الحاج فؤاد الزامل، مدير إحدى الجمعيات الخيرية العاملة في جنوب دمشق.

وأضاف الزامل أنّه في العام الماضي عملت غالبية الجمعيات الخيرية على تأمين مادة الحطب للمُحاصرين، ومع ذلك لم تكتفي كل العائلات، كما تفتقد المنطقة للبدائل كونها مُحاصرة منذ ست سنوات، وكافة المواد ترد للمنطقة عبر المعبر الإنساني الوحيد النافذ إليها، في مدخل بلدة ببيلا. ويتساءل الزامل: "ماذا لو أغلق النظام المعبر؟".

ويُشير الزامل إلى أنّ أرباب المؤسسات الخيرية يتنبؤون بنتائج سلبية في الشتاء القادم، فغالبية شباب المنطقة وخصوصاً المُهجّرين منهم عاطلين عن العمل ويفتقدون لأي شكل من أشكال كسب الرزق، كما يفتقدون للرعاية الرسمية الواجبة على الحكومة السورية المؤقتة ومنظمات المجتمع الدولي الإنسانية.

وفي الوقت الذي يستطيع فيه سكان العاصمة تأمين مادة المازوت بشكل روتيني سهل، يعيش 100 ألف مدني في منطقة جنوب دمشق المحاصرة كانوا قد استهلكوا على مدار خمس سنوات كُل ما تحويه المنطقة من أخشاب أبواب المنازل والنوافذ وغيرها، ليصلوا هذا الشتاء إلى طرق مسدودة في تأميل البدائل، ومجبرين على استخدام الأغطية كأهم وسيلة مُتاحة لتدفئة أبنائهم.

ترك تعليق

التعليق