سجلات الموت على جدران اللاذقية تتطلب ثروة من الشباب، لا تمتلكها


تحتاج مدينة اللاذقية والقرى الموالية لنظام الأسد إلى ساعات عمل كثيرة، وأموال طائلة، وكميات كبيرة من الدهان لإزالة صور القتلى المصلوبة على الجدران واللوحات الاعلانية، كرمى لكرسي الأسد.

تشويه المدينة

صور مهترئة، ونعوات لوفيات لا تحصى، تكسو معظم جدران محافظة اللاذقية، وخاصة في المناطق الموالية للأسد. والتي تقدم أبناءها ضحايا في محراب كرسي سلطته، لأجل استمراره في حكم البلاد والعباد، وثمناً لاستعباده لهم باعتباره يملك زمام رقابهم وأرزاقهم.

تمزقت صور قتلاهم بفعل الريح والأمطار ويد الأطفال العابثة، أو يد حر حانق على النظام وأزلامه ويعتبر القتلى مجرمين قاتلين للشعب السوري.

تجد عشرات الصور قد تكدست فوق بعضها، تدفن ذكرى الموت الأقدم بالضحية الأحدث، ولتجدد الوجوم واليأس على وجوه أصدقاء الأسد الذين يتصفحون الجدران يومياً، كجريدة الصباح، ليعلموا آخر من قتل من أصدقائهم وأقربائهم، ويقدرون حجم الاشتباكات وخسائر نظامهم من أعداد الأسماء المضافة.

لوائح الجدران تزيد من إحباطهم وشعورهم باقتراب الفناء بعد ضياع جيل كامل من شبابهم، ومازالت بقاياهم تنتظر أن تبتلعهم أرض سوريا التي سادوا ومادوا فيها ردحاً من الزمن.

أصبحت صورهم تشوه الجدران والنفوس والمستقبل، كما يرى المدرس محسن العلي "ذو السبعين عاماً"، الذي فقد ابناً وحفيداً ولم يتمكن من دفنهما، ومازالت بقايا صور على الجدران تذكره بالمأساة المستمرة.

جدران معتلة

لوحات كئيبة تمتد على مد النظر لم ترسمها يد فنان وإنما يد قاتل، وجدران تحولت إلى معارض لصور القتلى وألواح لكتابة أسمائهم.

تئن الجدران من حمل الأسى عليها وتحن إلى التنظيف من بقايا الأوراق المعفنة، والعودة إلى لونها الأبيض الذي فارقته منذ شروع نظام الأسد بتقديم قرابين لإطالة عمره وبقاءه.

يحتاج تنظيف الجدران إلى وقت طويل، وساعات عمل كبيرة مضنية، بالإضافة إلى أيد عاملة كثيرة، قد تستنزف طاقات حيوية لم تعد موجودة أصلاً.

الحاجة "أم محمد" من أحد أحياء اللاذقية قالت لـ "الناشط محمد الساحلي": "أنتظر سقوط نظام الإجرام، وسأجند كل نساء الحي لننظف جدراننا من بقايا صور القاتلين الذين يصفونهم بالشهداء والمجاهدين، ألا يكفي أنهم قتلوا أبناءنا ثم يضعون صورهم على جدراننا".

وأضافت: "قد نحتاج إلى أيام طويلة وكميات كبيرة من مواد التنظيف وخصوصاً (الكلور)، لنزيل كل ما علق بمدينتنا".

وأردفت: "سنحول الجدران إلى لوحات رسم للطبيعة والزهور، ونبدل صور الموت بنبض الحياة".

تكلفة التبييض باهظة

تحتاج الجدران المكللة بالكآبة إلى أطنان من الدهان لتعود جدراناً طبيعية، وربما كانت التكلفة باهظة، سواء لكمية المواد اللازمة للتطهير بمواد التنظيف وأدواته، أو لجهة أسعار الطلاء ومعداته أيضاً، التي سوف نحتاجها عند تحرير الجدران من الأسر الذي فرضه عليها أهالي شبيحة الأسد من أقرباء المتوفين.

"سوف نحتاج إلى أيد عاملة كثيرة ولأيام طويلة لكي نعيد المدينة إلى ثوبها الناصع، ننتظر رحيل الأسد ونظامه، وسنتحمل كل التكاليف لتنظيف سوريا من كل بقايا وتبعات النظام التي لوثت حياتنا وجدراننا".

هكذا كان المهندس المدني "أحمد. ج" يحدث صديقه الـ "الساحلي" قبل دخول المخبر إلى المقهى، حيث كانا يجلسان، لينشغلا بإعادة الحياة إلى أركيلتيهما.

ترك تعليق

التعليق