عبر بئر ماء، استردوا رؤوس أموالهم، وربحوا في عام.. الحفر العشوائي يهدد درعا


تحوّل حفر الآبار على ضفاف مصادر المياه، وفي مواقع الينابيع الغزيرة، إلى مصدر رزق مثمر لشريحة من سكان درعا. لكنه في الوقت نفسه، تحول إلى خطر شديد على أمنها المائي، يدفع سكان المنطقة أثمانه غالياً.

اضطر "أبو سليم"، وهو مزارع من ريف درعا، إلى اقتلاع معظم  أشجار حقله المثمرة، وذلك بعد أن ضاقت به السبل في تأمين المياه لريها.

ويقول أبو سليم أن حقله كان مليئاً بأشجار الزيتون والكرمة والرمان، وببعض الأشجار المثمرة التي كانت تشكل له مورد رزق جيد، وتؤمن لأفراد أسرته فرص عمل تغنيهم عن العمل لدى الآخرين.

وأضاف: "لكن شح المياه ونضوب بئري المرخص منذ عشر سنوات، تسبب في يباس معظم الأشجار، وأصابها بالكثير من الأمراض والآفات الزراعية".

وبيّن أن "عشرات الحقول وملايين الأشجار المثمرة، أصيبت باليباس نتيجة العطش الشديد، وعدم توفر مصادر مياه لريها، بعد الهجمة التي شهدتها مناطق درعا على حفر الآبار، والاعتداءات الكبيرة على مصادر المياه".

مجلس محافظة درعا الحرة، وبعد المطالبات الكثيرة والأصوات المرفوعة الداعية لوضع حد لاستنزاف المياه، ووقف حفر الآبار العشوائي، والاعتداء على مصادرها. تدخل أخيراً.

وطالب في أمرين إداريين، أصدرهما  في العاشر من الشهر الجاري، أصحاب الحفارات، بترخيص حفاراتهم أصولاً لدى المجلس، وعدم تحريكها إلا بأمر نظامي صادر عن المجلس، أو عن أقرب مركز شرطة حرة معتمد، ومنع الحفر العشوائي للآبار، وذلك تحت طائلة الحجز، وفرض غرامة مالية على المخالفين.

كما طالب المجلس في أمريه الإداريين، اللذين اطلع "اقتصاد على صورة منهما، المواطنين بضرورة الحصول على موافقة مديرية الري والموارد المائية في مجلس محافظة درعا الحرة، وذلك قبل المباشرة بحفر الآبار. وطلب إلى أصحاب الآبار غير المرخصة ضرورة مراجعة المجلس، من أجل تسوية أوضاع الآبار خلال مدة أقصاها شهرين.

وهدد البيان المخالفين بالتعرض للمساءلة القانونية أمام المجلس، وبفرض غرامة مالية والإحالة إلى دار العدل.

المهندس الزراعي، صلاح الدين محمود، أكد أن "قرار مجلس المحافظة حتى لو جاء متأخراً، هو خطوة في الاتجاه الصحيح"، ,مشيراً إلى أن واقع المياه في المناطق المحررة أصبح مزرياً نتيجة الاستنزاف الجائر الذي تشهده تلك المناطق، والذي تسبب بجفاف عدد من السدود والمصادر المائية، وعلى رأسها بحيرة مياه المزيريب، أحد أهم معالم المحافظة السياحية.

ولفت إلى ضرورة "تفعيل هذه القرارات وإيجاد قوى تنفيذية  لتطبيقها على أرض الواقع، للحفاظ على ما تبقى من مصادر مياه"، مشيراً إلى أن الفوضى العارمة التي تشهدها مناطق درعا المحررة، وغياب الرقابة والمحاسبة، تسببت بحفر مئات الآبار الجديدة التي استنزفت كامل المخزون المائي وأثّرت بشكل كبير على مصادر مياه الشرب.

وأوضح أن "عشرات القرى والتجمعات السكانية في المحافظة، باتت تعاني من نقص حاد في مياه الشرب، حيث تلجأ الأسر مضطرة إلى استخدام مياه غير صالحة للاستعمال المنزلي، ما تسبب بانتشار العديد من الأمراض السارية والمعدية".

وتمنى المزارع  عبد المطلب الأحمد، 65 عاماً، أن تلقى إجراءات مجلس محافظة درعا آذاناً صاغية، وتنفذ فعلاً بعد حجم الخسائر الذي تسبب به الاستنزاف الجائر للمياه، مشيراً إلى أن الأشجار المثمرة كالزيتون والكرمة والمساحات المروية الأخرى  تناقصت إلى النصف تقريباً، ولم يتبق من الأشجار المثمرة سوى أعداد قليلة بسبب العطش والأمراض.

ويشير "أبو أسعد"، 70 عاماً، وهو من ريف درعا الغربي، إلى أن المياه كانت تأتي إلى منازل السكان بالإسالة من مصادرها، ولم تكن  تكلف المواطن أي مبالغ مادية تذكر، لكنها الآن شحيحة، ولا تصل لأحد، وذلك بسبب حفر عشرات الآبار بالقرب من الينابيع الرئيسية المغذية للمنطقة.

ولفت إلى أن شح المياه أصبح يثقل كاهل المواطن اقتصادياً، لاضطراره لشراء المياه من أصحاب الآبار، مشيراً إلى أنه في ظل هذا الوضع، أصبح المواطن يدفع ما يقارب 6 آلاف ليرة سورية، ثمناً لـ 60 برميلاً من المياه شهرياً، فيما كان يكتفي بمقطوعية ربعية لا تتجاوز الـ 500 ليرة شهرياً.

مصائب قوم عند قوم فوائد

من جهته، أكد أبو محمد حجازي، وهو صاحب أحد الآبار الجديدة، أنه قام بحفر بئر في مزرعته الواقعة بالقرب من ضفاف نهر اليرموك بكلفة تجاوزت 2.5 مليون ليرة، لافتاً إلى أن هذا المبلغ لم يذهب هدراً، حسب وصفه، لوقوع البئر في منطقة ينابيع شديدة الغزارة.

وأضاف أن بئره تحول إلى مشروع استثماري صغير، يزود من خلاله الحقول المجاورة بالمياه لأغراض الري الزراعي، وذلك مقابل مبالغ يتم تقديرها، إضافة إلى أنه يبيع المياه لأصحاب الصهاريج بمبلغ 1000 ليرة لكل صهريج، لافتاً إلى أنه استرد المبالغ التي أنفقها خلال عام وحقق فوقها أرباحاً مالية جيدة.

يشار إلى أن الواقع المائي في درعا يزداد سوءاً وخطورة، عاماً بعد عام، في ظل  أعمال حفر الآبار المتزايدة والتي تتم كل يوم، والوضع يحتاج إلى تضافر جهود الجميع، وصحوة ضمير، وشعور كبير بالمسؤولية، إلى جانب ضرورة تدخل القوى الثورية على الأرض، للحد من هدر واستنزاف المياه. فهل ستكون هناك آذان صاغية؟

ترك تعليق

التعليق