بالصور: تعرّف على أشجار شهداء الثورة، ومن زرعها في مولدوفا


مع بداية اندلاع الثورة السورية واشتداد وطأة الحرب، ودّع الكاتب والمترجم السوري "نبيل المجلي" مدينة دمشق، التي ولد وعاش فيها شطراً كبيراً من حياته، متوجهاً إلى مولدوفا Moldova الواقعة بين رومانيا وأوكرايينا في أوروبا الشرقية، نظراً لأن عيون مخابرات النظام كانت مفتوحة عليه إثر استشهاد ابنه الوحيد تحت التعذيب في أقبية النظام.


 وحمل حينها -كما يروي لـ"اقتصاد" - 13 شتلة من أشجار سوريا ومنها شتلات زيتون وتوت شامي ودراق وأكي دنيا وسواها، كما حمل معه 60 نوعاً من البذور، وكأنه-بحسب وصفه- "نوح"، وقد شعر بأن سوريا ستغرق محاولاً إنقاذ ما أمكن من نباتاتها.


 واستمرت رحلة المجلي مع شتلاته المنقذة، أربعة أيام، من دمشق إلى موسكو إلى كيشينو إلى ريزينا، دون أي تفتيش، رغم أنه-كما يقول- ركب خلال هذه الرحلة وسائط نقل عدة، كالطائرة والقطار والحافلة، وكان طوال تلك الرحلة يدعو الله أن يستره، إلى أن وصل إلى مبتغاه.


بعد حصوله على الإقامة لأول مرة عام 2010 في مدينة ريزينا القريبة من نهر نيسترو "دنيستر" شمال مولدوفا، سأل المجلي موظفة في وزارة الداخلية هل بإمكانه أن يتملك أرضاً أو عقاراً أو سيارة في مولدوفا، فأجابت بالإيجاب، وعندها اشترى بالمال القليل الذي كان بحوزته أرضاً مهجورة في سفح جبل، ومعها قطعة أرض جبلية كانت بمثابة حديقة ملحقة بها، ووقع على أرض مشاع حصل عليها بعد تكفله باستصلاحها، وبدأ فعلاً بفلاحتها وزرعها كل عام، حيث صنع من الأرض الواقعة في سفح الجبل، مدرجات، وغرس فيها الأشجار وعرائش العنب.


 وكان –كما أخبر "اقتصاد"- يحمل الماء بالدلو إلى كل شجرة منها، وبدأ يرعاها كأولاده، ويتكفل بسقايتها إلى أن يشتد عودها وتجتاز مرحلة الخطر، مضيفاً أن مزرعته تضم اليوم العديد من الأنواع المحلية والمستوردة من أشجار الفواكه والخضار والورود ومنها أشجار جوز واللوز والبندق والكستنا والدراق والخوخ والكرز والتفاح والمشمش وبعض الفواكه الغريبة عن بلده التي تعرّف عليها في مولدوفا، وبعض الأشجار كالتين والرمان والكستنا غير موجودة في مكان إقامته، مما اضطره –كما يؤكد- لاستيرادها عبر المهربين من تركيا وأوكرايينا.


لدى أهالي مولدوفا، وهي إحدى الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفييتي سابقاً، موروث شعبي يقضي بأن يزرع كل شخص شجرة باسم كل مولود جديد له، لاعتقادهم بأن لكل شخص شجرة تناسب روحه وشخصيته وبرجه، مثلما أن له لون وحجر كريم. واستهوت الفكرة المجلي، ونظراً لعدم وجود مواليد جدد لديه، بدأ بتسمية إحدى شجيراته، باسم ابنه الوحيد الذي قضى تحت التعذيب في دمشق، وانتقل بعدها لتسمية أشجار أخرى بأسماء بقية أفراد الأسرة، ثم باسم شقيقه الشهيد، وبعدها بدأ بزرع أشجار بأسماء الشهداء من كل المدن والمحافظات السورية.


 ولم تقتصر أسماء أشجاره على الشهداء بل غرس أشجاراً بأسماء مبدعين في كل الحقول كانوا مع الثورة وهم أحياء وبعضهم من غير السوريين.


 ولدى المجلي –كما يقول- أمنية عزيزة وهي أن يتوفر لديه مبلغ من المال يكفي لشراء 5 هكتارات من الأرض ليجعل منها غابة سورية فيها أشجار بأسماء أكثر الشهداء السوريين، لتظل ذكرى حية في ذاكرة المولدافيين.


قبل لجوئه إلى مالدوفا، لم يكن المجلي الذي يعمل مترجماً ومؤلفاً، يعرف شيئاً عن الزراعة، بل تعلمها هناك. وكان–كما يقول- يلجأ إلى النت للبحث عن المسافات الواجب توفرها بين الغراس مثلاً، ويطبقها على الواقع، مضيفاً أنه اعتاد على زرع أشجاره ونباتاته بواسطة خرطوم طويل اشتراه هنا، وبواسطة الدلاء حين تكون المسافة بعيدة، ورغم أنه صاحب أكبر فاتورة ماء في مدينته إلا أن المجلي لم يعتد على بيع ثمار أشجاره بل يوزّعها على شكل هدايا لأصدقائه السوريين في مدينته والمدن الأخرى وعلى الفقراء في المدينة من المواطنين، وثواب ذلك كله-كما يقول- في صحائف من زرع هذه الأشجار بأسمائهم.


ويتحدث المجلي الذي ينحدر من مدينة درعا، بحماس، عن بعض أشجاره ذات الأصول الشامية، كالزيتون والليمون البرتقال والإكيدنيا، والرمان، وكذلك الورود والأزهار والنباتات الطبية التي اعتاد على زراعتها والإستفادة منها، كالزنبق البلدي والياسمين والورد الجوري من نوع النسرين وزهرة المغرب التي تتفتح عند الغروب والزنبق البلدي السوري الذي يمتاز برائحته العطرة التي تفوح إلى مسافة بعيدة وهي بمثابة الكنز لديه إذ لا توجد في كل مولدوفا إلا في أرضه.


 ويروي المجلي أنه أحضر من دمشق الياسمين العراتلي والشامي، فمات الشامي في الطريق لحساسيته، وبقي العراتلي الذي تمكّن من إكثاره ووزع منه على الناس حتى صار مألوفاً في المدينة إلى جانب الزعتر والنعنع والرشاد.. إلخ.


 وينوي المزارع الستيني البدء بمشروع تربية للنحل بين هذه الأشجار ليستفيد من أزهارها.




و"نبيل المجلّي" قاص ومترجم يحمل إجازة في الأدب الإنجليزي من جامعة دمشق 1984، ودبلوم في فن كتابة السيناريو من الجامعة الأمريكية في القاهرة 2004، عضو اتحاد الصحفيين العرب- عضو اتحاد كتاب الإنترنت العرب- عضو الجمعية الدولية للمترجمين العرب-عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين. يكتب القصة وقصة الأطفال، وترجم عن اللغات: الإنجليزية والروسية واللغة الدولية "الإسبرانتو". وله العديد من الكتب.


ترك تعليق

التعليق