دون تغيير الملكية.. مزاد تأجير أراضٍ تعود لمسيحيين وعلويين في ريف حمص


منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا في بداية عام 2011، عمد النظام إلى تدمير اللحمة الوطنية التي تجسدت حقيقة جلية لا يمكن إنكارها في اعتصام الساعة في مدينة حمص في 2011/4/18، حيث ضم الاعتصام في ساعاته الأولى المئات من المواطنين من جميع طوائف مدينة حمص، حسب ما أكد ناشطون.

ومع ارتفاع وتيرة الاحتجاجات كرّس النظام أجهزته الأمنية لترسيخ الشرخ الطائفي في عموم سوريا، فكان "العماد منير ادنوف" نائب رئيس هيئة الأركان  السابق، المسؤول الأول عن العبث بالنسيج المجتمعي في محافظة حمص، خلال تسلمه رئاسة اللجنة الأمنية في حمص، لينجح في صنع زلزال طائفي في كامل المحافظة.

فانتقل الصدع الطائفي من المدينة إلى الريف، مما أدى إلى هجرة ذات طابع طائفي مع خروج المنطقة عن سيطرة النظام, وترك المهاجرون خلفهم الآلاف من الدونمات الزراعية تعود ملكيتها إلى الشيعة والعلوية والمسيحيين والضباط الذين مازالوا في جيش النظام، لتتحول إلى مشاع في فترة الفوضى التي اكتسحت الريف الشمالي لحمص.

لجنة تأجير الأراضي

بعد تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، عُقدت اجتماعات ضمت ممثلين عن اتحاد الفلاحين الحر ومجالس الشورى والمجالس المحلية والفصائل العسكرية والمحاكم في ريف حمص الشمالي ومجلس شورى حمص، انبثق عنها لجنة سميت بـ "لجنة تأجير الأراضي" لتكون السلطة المخولة بتأجير ما أطلق عليه بـ"أراضي الوقف"، وهي الأراضي التي هجرها أصحابها، والأراضي ذات الملكية العامة.

الشيخ فرج الأشقر، رئيس لجنة تأجير الأراضي، قال في لقاء حصري مع "اقتصاد": "تأسست اللجنة بعد عدة اجتماعات ضمت ممثلين عن المؤسسات الثورية في المنطقة. وتعمل اللجنة على تأجير الأراضي بشكل قانوني لمنع حصول أي خلافات بين الفصائل والمواطنين على هذه الأراضي. وقد أنشأت اللجنة مكتباً قانونياً مختصاً لمتابعة قضايا اللجنة في المحاكم".

بين التسجيل والمزاد العلني

تمتلك اللجنة ما يقارب 18 ألف دونم، منها 13 ألف دونم أراضٍ رعوية غير صالحة للزراعة، و 5 آلاف دونم زراعية، منها 300 دونم مسقية والباقي بعل.

ومنذ أسبوعين، تم الإعلان عن مزاد علني هو الأول من نوعه. واعتمدت اللجنة في تحديد المتقدمين على عدة معايير من أهمها عدم وجود دخل، وعدد أفراد العائلة، وعدم امتلاك أرض أخرى. وتم طرح 200 دونم في المزاد علني لإتاحة المجال أمام الجميع، حيث تم تصنيف الأراضي بشكل عام إلى نوعين، السقي والبعل، فاعتبرت الأراضي المحاذية لمجرى نهر العاصي وبحيرة سد الرستن، أراضي سقي، والباقي بعل.

ووصل إيجار دونم الأرض السقي إلى 30 ألف ليرة، وتراوح إيجار دونم البعل بين 2000 إلى 7 آلاف ليرة، حسب نوعية التربة وخطورة المنطقة وقربها من خطوط الاشتباكات.

وأضاف الشيخ الأشقر: "هناك تفاوت كبير في إيجار الدونم. ومن أهم العوامل المؤثرة في ذلك، الخط المطري الذي تقع ضمنه الأرض، فمعدل الأمطار في مزارع الرستن يختلف عن معدلها في مزارع قرية ديرفول".

مصعب بكور، من سكان قرية غرناطة، تحدث لـ"اقتصاد": "سجلت في لجنة الأراضي لأستأجر 5 دونمات هي بجوار مسكني، كانت لأحد سكان قرية كفرنان الموالية، ولا يستطيعون الوصول إليها، نقوم نحن باستئجارها وزراعتها والاستنفاع منها".


دعم الخبز

تقوم اللجنة بتوزيع قسم من الأراضي على المجالس المحلية لزراعتها لتصب عائداتها في دعم مادة الخبز، حيث وزعت 800 دونم على مجالس الرستن وتلبيسة والدار الكبيرة، ويتم توزيع عائدات إيجار الأراضي على المجالس حسب نسبة عدد السكان.

وأضاف الشيخ الأشقر أيضاً: "الهدف الرئيسي من تأجير الأراضي هو دعم مادة الخبز من خلال تقديم المبالغ المدفوعة لقاء تأجير الأراضي للمجالس المحلية وتقديم أراضٍ لتقوم المجالس بزراعتها، وفي كلتا الحالتين تصب الأموال في دعم الخبز، ففي السنة الماضية تم تأمين مبلغ 50 ألف دولار من الإيجارات فقط، ناهيك عن تأمين فرص عمل للأسر التي لا معيل لها وتأمين دخل لهم".

عبدالله أيوب، مدير المكتب الإعلامي في المجلس المحلي في الرستن، تحدث لـ"اقتصاد": "استلمنا أصولاً من لجنة تأجير الأراضي 317 دونم، ستتم زراعتها ومحصولها سيعود على دعم مشروع الخبز".

المسيحيون أبرز المتضررين

بعد استيلاء قوات النظام على قرية "أم شرشوح" التي تقع على ضفة نهر العاصي، استطاعت قوات المعارضة تحريرها مما اضطر سكانها إلى النزوح قبل بدء المعركة، ولم يعد أحد منهم بعدها، مما جعلهم أكبر المتضررين لما خسروه من أراضٍ زراعية لم يعد باستطاعتهم الوصول إليها ناهيك عن تدمير قريتهم بشكل كامل.

أحمد أبو أكرم، من مزارعي مدينة الرستن، قال لـ"اقتصاد": "الأرض التي بجانبي كانت لشخص مسيحي، وهو جارنا منذ زمن بعيد وهو أقدم مني بالملكية في هذه المنطقة. قبل دخول قوات النظام إلى أم شرشوح كان يأتي إلى أرضه، لكن مع دخول تلك القوات لم نره من حينها، ووضعت لجنة الأراضي يدها على الأرض، وتؤجرها كل عام".

ويشار إلى أن أبرز أولويات لجنة تأجير الأراضي، الحفاظ على حقوق المالكيين الأصليين، حيث ختم الشيخ الأشقر حديثه: "من أهم مهام اللجنة الحفاظ على حقوق الملاك الأصليين للأراضي، فقد علّقت اللجنة أي عملية بيع لأي من هذه الأراضي حتى يصبح بمقدور ملاك الأراضي الوصول إلى أملاكهم بسبب انتشار التزوير وسهولته، والحيلولة دون وقوع الملاك الأصليين ضحية لقانون إصلاح زراعي جديد أو مطالبتهم بتعويض عن أتعاب زراعة الأرض خلال مدة معينة".

والجدير بالذكر أن مستأجري هذه الأراضي يقومون بزراعتها بشكل عشوائي دون الاكتراث برشها بالمبيدات والأسمدة، مما جعل تربتها فقيرة جداً، وإن استمر الحال على ذلك فمصيرها التصحر لا محالة، فالملاك الأصليين لم يخسروا محاصيلهم فقط بل خسروا قدرة الأراضي على الإنتاج في المستقبل القريب. ويتحمّل النظام بصورة رئيسية، المسؤولية في ذلك، كونه غذّا حالة الاحتقان الطائفي في المحافظة، مما أدى إلى حالة الفرز الديمغرافي هذه.

ترك تعليق

التعليق