سيرة مهندس سوري يحقق نجاحاً لافتاً في غازي عينتاب التركية


قَدِمَ المهندس السوري "محمد رباح الاسماعيل" إلى تركيا لدراسة هندسة العمارة عام 1997، وبعد تخرجه من إحدى جامعاتها آثر البقاء فيها، وخلال فترة وجيزة استطاع أن يحقق نجاحاً لافتاً في مجال هندسة المباني، وتحول من مجرد موظف عامل بشهادته إلى واحد من المهندسين البارعين أصحاب البصمة المعمارية المتطورة في تركيا، التي تضم حوالي 4000 مهندساً سورياً في مختلف الاختصاصات. وتمكن الاسماعيل من إنجاز مخططات معمارية للكثير من المباني السكنية الضخمة في مدينة "غازي عنتاب"التي تقع جنوب تركيا.


ينحدر الاسماعيل من بلدة "العمارنة" بريف حلب، ولكنه ولد في حي "بابا عمرو" عام 1978، نظراً لأن والده كان يؤدي الخدمة العسكرية في حمص آنذاك. وبعد عودة العائلة إلى مدينتهم حلب، عمل والده "محمد الاسماعيل"، كمراقب فني في بلدية المدينة. وتربى "محمد رباح" ونشأ في حي "الهلك" الذي درس فيه المراحل ما قبل الجامعية، وكان رائداً في الرياضيات، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية انتقل إلى تركيا ليدرس هندسة العمارة عام ١٩٩٧، وحينها -كما يروي لـ"اقتصاد"- واجه صعوبة اللغة إذ كانت المناهج باللغة التركية ولم يكن يعرف منها سوى بضع كلمات تعلمها من والدته ذات الأصل التركي.

 ودخل الشاب القادم من حلب امتحان القبول في جامعة الشرق الأوسط في أنقرة، وبعد قبوله في المفاضلة تقدم لدراسة هندسة العمارة بجامعة سلجوق في مدينة كونيا، التي تعد من أعرق الجامعات في تركيا.

 وإلى جانب صعوبات اللغة كان جو الجامعة غير مشجع على الدراسة بسبب وجود عدد من الدكاترة من ذوي الميول القومية التركية الذين كانوا -كما يؤكد الاسماعيل- يحملون حقداً على السوريين بسبب وجود رئيس حزب العمال الكردستاني "عبد الله اوجلان" في سوريا آنذاك، مما اضطر العديد من زملائه إلى ترك الجامعة والذهاب إلى دول أخرى، إلا أنه أصرّ على إتمام الدراسة في الجامعة ذاتها وكان الطالب السوري الوحيد في دفعته، في السنة الثانية.

بعد السنة الثالثة ساءت أحوال عائلة رباح المادية في حلب، مما اضطره للعمل أثناء الدراسة في الرسم وتقديم تصاميم هندسية لمن يطلبها لتحصيل مصروفه اليومي، كما اتجه لتصميم واجهات ألمنيوم وبللور للأبنية.

وبعد تخرجه من الجامعة، وجد الشاب الحلبي نفسه أمام عائق جديد وهو عدم الحصول على الجنسية التركية، وبالتالي صعوبة العمل بشهادته بشكل نظامي وعدم امتلاك صلاحية التوقيع على المشاريع لقبض فاتورة تصميمها. وكان عليه أن يكون بمثابة مساعد مهندس يرسم المخططات وغيره يوقّع عليها وتصبح المشاريع باسمه، رغم نيله شهادة الهندسة. واستمر هذا الحال إلى أن حصل على الجنسية واقترن بفتاة تركية تعمل معلمة مدرسة، وانتقل معها للخدمة الريفية بمدينة "سيرت" على حدود تركيا مع العراق وإيران، وهناك أُتيح للمهندس الشاب العمل في مكتب هندسي مملوك لمهندس تركي يُدعى "محمد فاتح صعلام"، ورغم أن راتبه كان ضئيلاً إلا أنه آثر البقاء في المكتب المذكور لمدة أربع سنوات، ليظل مستمراً في المهنة وكي لا ينساها.

 وانتقل بعدها مع زوجته التي أنهت خدمتها في الريف إلى مدينة "غازي عنتاب"، ليجد نفسه بلا عمل من جديد لمدة ستة أشهر، وأثناء العطلة الصيفية دوّن سيرة ذاتية cv له، وبدأ بالبحث من خلال النت عن المكاتب الهندسية ومكاتب التعهدات، وبعد جهد جهيد تمكن الاسماعيل–كما يقول-من العثور على عمل في شركة تُدعى "كارن" متخصصة بالإنشاءات براتب1100 ليرة تركية ووضع من خلال عمله فيها مخططات لمبنى سكني مؤلف من 15 طابقاً يحتوي كل طابق منها على 5 شقق مع دكاكين أرضية، وبقي في الشركة المذكورة لمدة تسعة أشهر قبل أن يضطر لتركها لأسباب خاصة بعد أن أتم تنفيذ المشروع.

في اليوم نفسه لتركه شركة كارن تمكن المهندس رباح من العمل في أكبر شركة لتلبيس واجهات البلور والألمنيوم في "غازي عنتاب" تُدعى ZTA، وأثناء عمله الذي استمر لتسعة أشهر فيها، التقى صاحب شركة تُدعى بيآف (البيت الوحيد) الذي عرض عليه مساعدته في مشروع ضخم عبارة عن 280 شقة و٤٤ دكاناً، وكان المطلوب تنفيذ المشروع خلال سنتين، وعرض مدير الشركة عليه أن يكون شريكاً في المشروع بعمله فقط، فقبِل العرض بنسبة ضئيلة، ولكن مدير الشركة رفع نسبته بعد فترة إلى الضعف لما رآه من إتقان وجد واجتهاد في العمل.


وكان المشروع بالنسبة للمهندس الشاب بمثابة تحد نظراً لقصر المدة المحددة لتنفيذه، ولضخامته، ولكنه قبل التحدي وأنجز العمل في وقته بعد أن وصل الليل بالنهار مستلهماً عبارة قرأها خلف مكتب صاحب الشركة مؤداها "لا شيء مستحيل ولكن نحتاج للزمن"، وهي العبارة التي أوصلته إلى ما وصل إليه–كما يقول- إلى جانب تشجيع والده "محمد الإسماعيل" الذي لحق به مع عائلته إلى تركيا وكان مرشداً له في كل خطواته المهنية.


ولفت الإسماعيل إلى أنه كان حريصاً من خلال مشروعه الضخم على توفير الجودة المتوسطة والتكلفة غير المرتفعة التي تلائم الطبقة الوسطى إلى جانب كون هذه المباني مهيأة لتكون ضد الزلازل من ناحية الحديد ونوعية البيتون، وخصوصاً أن تركيا معروفة بزلازلها، كما حرص-كما يقول- أن تكون الجدران من الحجارة الخفيفة كي لا تكون أثمان الشقق مرتفعة، ولكون البناية عالية جداً، وتم فيها استخدام نوع من الحجر اسمه yotung عازل للحرارة بنفس الوقت.


ونظراً لنجاحه في هذا المشروع الضخم تولى الإسماعيل إدارة شركة "البيت الوحيد" بالإضافة إلى حصته كشريك مساهم فيها مما أعطاه دفعاً معنوياً للمثابرة في عمله وإنجاز المزيد من المشاريع، وكان منها-كما يقول- تنفيذ مشروع جمعيه سكنية مؤلفة من ٦٨ بيتاً صيفياً (قرية سياحية) مع مسابحها.


 كما أشرف على مشروع أطلق عليه اسم " أوسكا - بيت الشلال" وهو مجمع سكني من 15 طابقاً ويتألف من ١٦٨ شقة، وكذلك مشروع عبارة عن مجمع سكني يُدعى "باي كنت ٢" مكون من440 شقة ومشروع أوسكا ٢- بنم أفيم ٧، المكون من 15 طابقاً و196 شقة، ولا زال مستمراً بتنفيذ 3 مشاريع جديدة أخرى إحداها يُدعى بيتي ٨، وهو مجمع سكني عبارة عن ٢١٦ شقة سكنية وفولغا 216 شقة، ومعمل يتم التخطيط له من الصفر لتاجر عراقي.

ترك تعليق

التعليق