بلدات وأحياء درعاوية.. تعود للحياة بحذر


على الرغم من المنغصات التي تشوب هدنة خفض التصعيد في جنوب سوريا، والتي بدأت في التاسع من تموز الماضي، إلا أن دورة من الحياة الطبيعية، مشوبة بحذر شديد، بدأت تعود إلى مدينة درعا وريفها المحرر، وذلك بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على بدء الهدنة.

ويشير الناشط محمد الحوراني إلى أنه "على الرغم من عدم ثقة الأهالي بالنظام، ولا بروسيا كطرف ضامن للهدنة، وتوقعهم بأن الهدنة يمكن أن تنهار في أي وقت، إلا أنهم بدؤوا بالعودة إلى منازلهم من بعض مناطق النزوح ودول اللجوء، يحدوهم الأمل بأن تستمر الهدنة وتعود الحياة إلى طبيعتها، بعد سنوات من العذاب وعدم الاستقرار، أمضوها في ظروف إنسانية صعبة".

وأضاف: "الكثير من أحياء درعا المحررة، لاسيما أحياء درعا البلد وطريق السد ومخيم درعا، وغيرها من الأحياء، باتت شبه مدمرة، وتفتقر لأبسط خدمات المياه والكهرباء والصحة، وتحتاج إلى إمكانات كبيرة لإعادتها إلى سابق عهدها، ورغم ذلك عاد أهلها إليها لأنهم لا يملكون بديلاً مناسباً أفضل منها".

ولفت الحوراني إلى أن "هناك تفاوت كبير  بين المناطق من حيث الوضع الأمني والاقتصادي"، مشيراً إلى أن الوضع يكون آمناً أكثر كلما كانت المناطق بعيدة عن نقاط التماس مع قوات النظام وحلفائها، حيث تشهد المناطق البعيدة، كريف درعا الشمالي والغربي، وقسم من ريفها الشرقي، حركة تجارية وأنشطة اقتصادية ملحوظة".

وأضاف أن "مدن وبلدات صيدا والطيبة ونصيب وتل شهاب ونوى وجاسم والحارة وانخل وبعض القرى الأخرى في ريف درعا الغربي، تشهد حركة اقتصادية نشطة، وأسواقها مفتوحة وتعمل إلى ساعات متأخرة من الليل، رغم الفلتان الأمني الذي تشهده بعض مناطق المحافظة".  

وتابع: "بعض الأسر قامت بإزالة الركام من منازلها، وبدأت بعمليات ترميم صغيرة للمنازل والمرافق، لتتمكن من العيش فيها، مفضلة وضعها رغم خطورته على وضع الخيام المهترئة، التي كانت تعيش فيها، في أطراف درعا، ومخيمات النزوح التي كانت تفتقر لأدنى الظروف الإنسانية"، مبيناً أن عشرات الأسر عادت من محافظة السويداء والأردن والقرى الشرقية في المحافظة، بالتزامن مع الهدوء الحذر الذي يرافق خفض التصعيد. 

بدوره، أشار "أبو عبادة"، 34 عاماً، وهو موظف سابق، إلى أنه خرج من مخيم درعا قبل سنتين وعاد مؤخراً إليه، ليجد منزله متصدعاً بشكل كلّي بفعل قصف قوات النظام للمخيم، عدا عن غرفة وحيدة كانت بحاجة إلى ترميم ودعم، لافتاً إلى أنه أجرى للغرفة بعض الترميمات البسيطة، بكلفة مالية بلغت أكثر من 75 ألف ليرة سورية، وسكنها مع أسرته المكونة من زوجة وطفلين، 6 سنوات، و 4 سنوات.

وحول الصعوبات التي تواجه سكان المخيم، يقول: "لا يوجد لدينا أي خدمات نعول عليها، فالمخيم لا يوجد فيه مياه منذ عدة سنوات، ونحن نشتري المياه من الصهاريج الزراعية، حيث يصل سعر الصهريج إلى 3500 ليرة سورية، وغالباً ما تكون المياه غير صالحة للشرب، كما أن الشوارع مليئة بالركام، والكهرباء مقطوعة، والمشافي الميدانية متوقفة عن العمل لنقص الإمكانيات".

وأضاف أن "الأمان مفقود في المخيم، لأن قناصات النظام مازالت تصطاد المواطنين رغم الهدنة"، داعياً المنظمات الإنسانية إلى مد يد العون والمساعدة لأهالي المخيم، وتقديم احتياجاتهم الضرورية، وأقلها حليب الأطفال والمواد الاسعافية والطبية، مؤكداً أن المخيم مازال يفتقد إلى الأنشطة التجارية والاقتصادية، بسبب خوف الأهالي من عودة القصف من جديد.

من جهته، أكد أبو فرج، 55 عاماً، وهو صاحب محل تجاري في مدينة نوى، أن "حركة السوق والبيع والشراء مقبولة، رغم ضعف الإمكانات المادية للمواطنين"، لافتاً إلى أن مدينة نوى تعد مركزاً تجارياً لريف المنطقة الغربية، يؤمها آلاف المواطنين من جميع القرى المحيطة للتسوق".

وأوضح أن "أسعار المواد الاستهلاكية تتفاوت من مكان إلى آخر في مناطق المحافظة، ويعود ذلك إلى تلاعب بعض التجار والوسطاء وعمليات النقل، وارتباطها بارتفاع أسعار المشتقات النفطية، ولاسيما المازوت الذي مازال يحافظ على 450 ليرة سورية للتر الواحد، والبنزين الذي يصل سعر اللتر منه إلى 500 ليرة سورية"، مؤكداً أن التفاوت بالأسعار يكون بالعادة ما بين 50 و100 ليرة سورية لذات السلعة، باختلاف المنطقة.

فيما أكد محمد نضال، 39 عاماً، وهو صاحب مكتب لمواد البناء، أن مكتبه بدأ بتأمين بعض مواد البناء، كالحديد والاسمنت والبحص والرمل، معبراً عن سعادته بعودته للعمل، بعد توقف لسنوات طويلة.

وأشار إلى أن "المواد تأتي من دمشق وريفها، وتدخل مناطق درعا عبر حواجز النظام، ولكن بأسعار مضاعفة نتيجة الرسوم والاتاوات التي تفرض عليها، موضحاً أن الكثير من الأهالي العائدين إلى قراهم بدؤوا بترميم منازلهم، كما أن هناك حركة بناء لمنازل جديدة، بدأت تشاهد في عدد من مناطق ريف درعا، رغم ارتفاع أسعار مواد البناء".

من جهته، قال عمران الدرعاوي، 45 عاماً، وهو مهندس زراعي، "صحيح أن المحافظة باتت تشعر بالهدوء، إلا أن قوات النظام مازالت تخترق الهدنة كل يوم، باستخدامها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وهو ما يجعل حالة الخوف مستمرة لدى المواطنين". 

وعبّر عن أمله بأن تصمد هذه الهدنة  لفترة طويلة، ويعود الناس إلى أعمالهم وأراضيهم الزراعية وحقولهم، لأن الناس ملوا من القتل والتشرد والفقر، الذي وصل إلى حدوده القصوى، متمنياً أن تتوفر المواد والبضائع بأسعار مقبولة، ويصبح المواطن بعد هذا العذاب والحرمان، قادراً على شراء احتياجاته، وتأمين قوت يومه على الأقل.

الطفل سعيد المحمود، 10 سنوات، قال: "أتمنى أن تنتهي الحرب وأن أعود لمدرستي، وأتعلم فيها، وألتقي رفاقي وألعب معهم"،لافتاً إلى أن مدرسته كانت تُعطّل كثيراً بسبب القصف في السنوات الماضية، وأنه نزح إلى أكثر من مكان مع أسرته وعاد أخيراً إلى مدينته.



ترك تعليق

التعليق