لا زواج ولا بيع وشراء.. فوبيا التهجير تربك حياة قاطني الجنوب الدمشقي


لا يزال  ملف جنوب العاصمة دمشق محاطاً بالغموض دون وجود مؤشرات على ما سيكون عليه مصير المنطقة في المستقبل القريب. فالتعقيدات المحيطة بملف المنطقة، والمنافسة غير المعلنة بين النظام وحليفته إيران، للسيطرة على المنطقة، خاصة بعد فشل المساعي الرامية لإدراج جنوب العاصمة ضمن مناطق خفض التصعيد في مؤتمر أستانة 6، يضع المنطقة أمام احتمالين، الاحتمال الأول يتمثل في سيطرة إيران ومليشياتها على المنطقة لتنفيذ مشروع الضاحية الجنوبية المحيطة بالسيدة زينب وإيجاد كتلة سكانية موالية لطهران طائفياً بعد تهجير أهالي المنطقة. ويصطدم الاحتمال الأول، مع الثاني، الذي يتمثل في رغبة النظام بالسيطرة على المنطقة عن طريق المصالحة بعد إخراج الرافضين للتسوية معه.

فوبيا التهجير، والتي أنتجها الغموض والمصير المجهول الذي يحيط بمستقبل المنطقة، سببت حالة من الخوف والإرباك وعدم الاستقرار، تهيمن على قاطني المنطقة. فالخوف من التهجير كلياً كان أو جزئياً، عطّل حياة الكثيرين ودفعهم لتأجيل مشاريع كانوا ينون القيام بها، كالزواج أو البدء بمشروع صغير أو شراء حاجات أساسية للمنزل، خوفاً من استنزاف مدخراتهم المالية، مفضلين الحفاظ عليها واستغلالها في موطنهم الجديد بعد التهجير المتوقع تنفيذه في أي لحظة.
 
محمد خليل، ابن الـ 28 عاماً، يقول لـ "اقتصاد" إنه يشعر بالضياع، فهو كان ينوي الزواج منذ 8 أشهر، لكن الحديث المتكرر عن الخروج من المنطقة وإشاعات اقتراب التهجير دفعه للتريث. "إني في حيرة من أمري، هل أمضي في مشروع الزواج أم أنتظر. المشكلة أني لهذه اللحظة أمضيت 8 شهور أراوح في نفس المكان، وحول فكرة واحدة، سنُهجّر قريباً أم سنبقى؟.. تكاليف الزواج تتعدى مبلغ الـ 750 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 1500 دولار، وهو مبلغ جيد في حال خرجنا من المنطقة لبدء حياة جديدة في الشمال أو التوجه إلى تركيا".

واستطرد محمد خليل: "الخوف من الأيام القادمة وما ستحمله للمنطقة أصابني بحالة من الضياع وعدم الاستقرار. حقيقةً، إني عاجز عن اتخاذ القرار. لا أستطيع تجاوز عتبة الخوف. من الأفضل إذا تم تهجيرنا أن أكون وحدي. سيكون من الأسهل حينها البدء بحياة جديدة".

لا يتوقف الأمر على الزواج، بل يتعداه للقلق حتى من شراء حاجات منزلية باهظة الثمن نسبياً، فمصير المنطقة وما يحاك لها بحسب الأهالي، مجهول، الأمر الذي يدفعهم للتفكير كثيراً قبل الإقدام على شراء مستلزمات يصعب إخراجها معهم. فـ "أبو عدي"، مُهجّر من بلدة الذيابية ومقيم في بلدة يلدا، يؤجل شراء بطارية لمنزله منذ 5 شهور. "فعلاً هذا الشيء مضحك ومبكي، في نفس الوقت، منزلي بحاجة لبطارية سيارة للإنارة وتشغيل المروحة وشاشة التلفاز لكن ثمن البطارية 100 أمبير لا يقل عن 70 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ لا أستطيع التضحية به ما زال مصير المنطقة لم يحسم. فأنا شخصياً، وكوني مطلوب لقوات النظام، لن أبقى في المنطقة في حال تمت المصالحة".

يتابع "أبو عدي" حديثه: "أيضاً، ومع اقتراب فصل الشتاء، بات التفكير بشراء كمية من الحطب للتدفئة، مادة جديدة للقلق الذي يصيبني. أريد جواباً واضحاً لسؤال يسأله جميع سكان المنطقة. هل سنبقى هنا أم سنُهجّر. للأسف منذ بداية العام وهذا السؤال بدون جواب".

يُشار إلى أن العمل الإغاثي في جنوب العاصمة تأثر أيضاً بشكل كبير نتيجة الإشاعات عن اقتراب التهجير، والتي كانت تزيد وتيرتها خلال المهل التي كان يمنحها النظام للمنطقة، فقد توقفت الكثير من المنظمات الخيرية عن تنفيذ مشاريع في المنطقة بحجة أنها غير مستقرة، الأمر الذي زاد الأوضاع المعيشية سوءاً في منطقة يقطنها قرابة الـ 100 ألف نسمة، وتعتمد بشكل رئيسي على ما تقدمه المنظمات الخيرية والتي توقف معظمها.

ترك تعليق

التعليق