ريف حمص الشمالي.. منازل تتحول لمدارس، والقطاع الخاص يهجر التعليم


يستقبل طلاب قرى وبلدات ومدن ريف حمص الشمالي المحاصر، العام الدراسي الجديد، وسط استياء من واقع تعليمي مأساوي، يتراجع يوماً بعد يوم، حيث تشير إحصائيات غير رسمية إلى أن عدد طلاب المرحلتين الابتدائية والثانوية بالريف المحاصر يقدّر بنحو 60 ألف طالب وطالبة، يحتاجون إلى نحو 130 مدرسة، بينما المتوفر من هذا الرقم حالياً بحدود 50 مدرسة، والباقي مدمّر بشكل كلي أو جزئي..

يقول أستاذ جامعي في جامعة البعث، ومدرس سابق في ثانويات الريف الشمالي لمدة 20 عاماً، "إذا تتبعنا مسار التعليم خلال الثورة السورية لوجدنا أن هذا القطاع من أكبر القطاعات التي طالها الدمار، والتي تنذر بدمار قادم، فعدد الطلاب المتسربين في مرحلة التعليم الأساسي، يتجاوز النصف، في بعض قرى ريف حمص الشمالي الشرقي".

وأضاف الأستاذ الجامعي في حديث لـ "اقتصاد"، أن النظام قام بتدمير ممنهج للبنى التحتية للتعليم عبر قيامه وبشكل مكثّف، منذ العام 2012، بقصف المدارس بالطائرات والدبابات والمدافع، واعتقال المعلمين، أو قطع رواتبهم.

 وقدّر الأستاذ الجامعي عدد المعلمين الذين تعرضوا لإصابة بحوالي 10%، والذين تسربوا إلى سوق العمل بحوالي20%، وهناك نحو 13% من المعلمين هاجروا إلى تركيا ولبنان والأردن والدول الأوروبية.


التدريس بالمنازل

وتقول فاطمة، وهي مدرّسة لطلاب المرحلة الإبتدائية في واحدة من المدارس التابعة للنظام، إن وجود 50 طالباً في صفوف مخصصة لـ 30 طالباً، بات أمراً طبيعياً. وتضيف فاطمة لـ "اقتصاد": "مع بداية العام الدراسي، نقوم بالتدريس في بيوت سكنية غير مناسبة للتعليم، حيث أن أكثر من 80% من مدارس مدينتي (تلبيسة) مدمرة كلياً، و20% الباقية مدمرة جزئياً، وتحتاج لعمليات ترميمم وصيانة كبيرة".


 وبحسب فاطمة، لجأت الكثير من المدارس إلى تقليص عدد ساعات الدراسة، وافتتاح دوام ثانٍ كي تتمكن من استيعاب عدد أكبر من التلاميذ.

وقالت أيضاً: "بسبب تقليص الدوام إلى الثلث تقريباً، اضطر المعلمون لتجاوز العديد من الشروحات والتمارين والمسائل الضرورية.".

ورداً على سؤال لمراسل "اقتصاد"، عن رأيها بالمدارس التابعة للإئتلاف بريف حمص الشمالي، قالت المعلمة فاطمة: "المدارس التابعة للحكومة المؤقته قليلة جداً، ولا يتجاوز عددها أصابع اليد، والمعلمون فيها نادراً ما تكون رواتبهم مستمرة"، لذلك ترى المعلمة أن الواقع التعلمي في مدارس النظام أفضل بكثير.


مدرسون متطوعون

خلال سنوات الثورة السورية، لم تقم تربية النظام بحمص بتعيين أي مدرس أو مُدرّسة في كامل ريف حمص الشمالي، وعملية تعيين مدرس وكيل يحتاج إلى موافقة أمنية وغير محكوم.

وتقول معلومات خاصة، حصل عليها موقع "اقتصاد"، أن أغلب المدارس فقدت نحو 60% من كادرها التدريسي فلجأت إدارات المدارس إلى المدرسين المتطوعين من الطلبة الجامعيين، أو حملة الثانوية العامة.

 يقول أحد هؤلاء المتطوعيين ويدعى" سليمان أبو حسون": "تعرضت معظم مدارس مدينة تلبيسة إلى تدمير جزئي أو كلي (40% بشكل كلي) و ( 45% بشكل جزئي)، وبسبب ذلك لجأنا للتدريس بالمنازل بالرغم من أنها غير مؤهلة للتدريس. المهم أن تستمر عملية التعليم، وإلا يتعرض ما بقي من هذا الجيل للتجهيل".

ورداً على سؤال لـ "اقتصاد" عن واقع التعليم بمدينته، قال سليمان: "التعليم مهمل بشكل كامل، والمدارس بحاجة إلى مستلزمات بشكل دائم". وعن رأيه بمدارس الإئتلاف، قال: "لي زملاء يعملون فيها، ومنذ 9 أشهر لم يقبضوا ليرة واحدة".


المدارس الخاصة متوقفة

يوجد في منطقة ريف حمص الشمالي نحو 10 مدارس ثانوية خاصة، مرخصة بشكل قانوني قبل قيام الثورة السورية، إضافة إلى 6 رياض أطفال. ومنذ بداية العام الثاني للثورة السورية، توقفت هذه المدارس والرياض عن التدريس بسبب القصف العشوائي.

وبالرغم من توقيع اتفاقية تخفيض التصعيد، الثالثة بريف حمص، لم يفكّر أصحاب هذه المدارس الخاصة بإعادة افتتاحها لعدة أسباب، منها التدمير الذي طال هذه المنشآت التعليمية الخاصة، وعدم قدرة 90% من الأسر المحاصرة على دفع أقساط المدارس.

تقول سميرة - وهي أم لـطفلين - لو أن المدارس الخاصة، التي كانت موجودة قبل الثورة، تعاود فتح أبوابها، لكنت أول من تقوم بتسجيل طفليها، بسبب التراجع في التعليم في مدارس النظام والإئتلاف.

 ولا تخفي" نوال"، في حديثها لـ "اقتصاد"، خوفها البالغ على مستقبل أطفالها وتقول: "يعاني التلاميذ في المدارس من تدني المستوى التعليمي بسبب عدم توفر الكتب الدراسية، فمعظم بلدات الريف الشمالي بقيت بدون كتب مدرسية جديدة من العام 2012، وحتى 2016".


إنقاذ ما يمكن إنقاذه

قام بعض المعلمون خلال سنوات الثورة السورية، بالتعاون مع بعض المنظمات المتخصصة بالتعليم وعلى نطاق محدود جداً، بعدة مبادرات فردية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

 يقول "أبو محمد": "بدأت مع بعض الزملاء المفصولين من تربية النظام، وبعض طلاب الجامعات، مشروعاً تعليمياً صغيراً لتعليم الأطفال القراءة والكتابة في أحد المنازل عبر التعليم المكثف واعتماد اللعب، المتبع برياض الأطفال، أسلوباً في التعليم".

 وأضاف: "بدأنا بتعليم 30 طفلاً، ولكن بسبب عدم توفر الدعم المادي، والقصف العشوائي من قبل حواجز النظام، أوقفنا مشروعنا".

 وبخصوص المدارس التي افتتحتها المنظمات دولية في الريف الشمالي، قال أبو محمد: "هناك مدرستان تابعتان لمنظمة (اميسا) بكامل الريف الشمالي، تستوعبان حوالي 500 تلميذ وتلميذة، إلا أن المستوى التعليمي للتلاميذ والطلاب ما دون الوسط، لأن معظم الكادر التدريسي ليست لديهم خبرة في التدريس".

 واعتبر أبو محمد أن مدينة الرستن محظوظة نوعاً ما من ناحية الدعم المادي لمدارسها، إذا ما تم مقارنتها ببقية مدن وبلدات الريف، حيث قام الهلال الأحمر خلال فترة الصيف بترميم وصيانة مدرسة تستوعب حوالي 800 طالب، كما قامت منظمة "يونسيف" للأطفال العام الماضي بتمويل مشروع للتعليم على أطراف مدينة الرستن، عبر إنشاء عدة مدارس صغيرة في مناطق متفرقة في بساتين الرستن، وهذه المدارس عبارة عن ملجأ تحت الأرض، قُسّم إلى عدة غرف.

ترك تعليق

التعليق