فلسفة النجاح على لسان شاب سوريّ تفوق على أقرانه من الإنكليز


قد لا تختلف قصة النجاح التي نرويها أمامكم الآن، عن عشرات القصص المشابهة لسوريين تفوقوا وبرعوا في بلدان اللجوء وتحدوا صعوبات ألجمت أقرانهم.. لكن ما يميز هذه القصة عن غيرها، تلك الفلسفة التي يحملها صاحبها، رغم صغر سنه، إذ قال لنا أثناء حديثه عن تجربته، "الحرب أماتت العديد من القلوب، ولكني أرى أفضل طرق الانتقام، هي النجاح".

هو، أحمد جهاد خلف، شاب سوري في العشرين من عمره، خاض سلسلة نجاحات دراسية في واحدة من أرقى دول العالم تعليمياً، بريطانيا، ليتفوق على أقرانه من الإنكليز.

يقف أحمد الآن عند عتبة دراسة الطب البشري في بريطانيا. وهي عتبة كان سيحتاج إلى ثلاث سنوات أخرى لوصولها، لو لم يكن صاحب إرادة، وتصميم مُلفت.

حينما وصل إلى بريطانيا، قبل ثلاث سنوات، أخبروه أنه يحتاج إلى 3 سنوات لدراسة اللغة الإنكليزية، قبل الالتحاق بالثانوية، لكنه استطاع الوصول إلى مستوى اللغة المطلوب، في سنة واحدة فقط.

لم يكن أحمد غريباً عن عالم التفوق قبل ذلك، فهو وصل إلى الصف الثاني الثانوي العلمي في مدرسة المتفوقين بسوريا. وكان في الـ 17 من عمره، حينما غادر إلى بريطانيا. هناك، طلبوا منه أن يعيد المرحلة الثانوية من بدايتها، كي يصل إلى الشهادة الثانوية. فطلب من مدرسته أن تعطيه الفرصة لإنهاء الحادي عشر والثاني عشر، في سنة واحدة. واستطاع فعل ذلك، ليتم السنة الأخيرة مؤخراً، ويحصد أعلى نتائج في مدرسته، متفوقاً على أقرانه الإنكليز، ليكون الطالب الوحيد في مدرسته، الذي تم قبوله لدراسة الطب البشري.

قال لـ "اقتصاد": "اليوم لا أستطيع أن أصف شعوري". فـ أحمد، يشعر بالثقة، وكلما واجهته الصعوبات، زاد تصميمه على التحدي. لذا فقد شارك في بعض النشاطات الخارجية، التي قال إنها غيّرت حياته، وجعلته يؤمن أكثر بقدراته. منها، مسابقة تحدي الرياضيات على مستوى بريطانيا، "الأشبه بالرواد في سوريا"، والتي تفاجئ كثيراً عندما حصل فيها على المركز الأول في مدرسته. الأمر الذي زاد إصراره على التفوق والسعي الدائم ليكون الأفضل.

يتحدر أحمد من الجولان، لكنه وُلد وعاش كامل حياته في دمشق، قبل أن يغادر عام 2014 إلى بريطانيا، في عملية لم شمل، أجراها والده، الذي سبقهم إلى هناك، قبل سنة من ذلك التاريخ.

سألناه، وهو المتفوق في سوريا، والمتفوق في بريطانيا، ما الفرق الذي لحظه في نظام التعليم، بين البلدين، فقال لنا: "هنالك فرق كبير بين نظام التعليم هنا ونظام التعليم في سوريا، فالدراسة هنا تركز على الجانب المنطقي والفهم أكثر من الجانب النظري، وأيضاً يتم دراسة مواد أقل ولكن بعمق أكبر وتفاصيل أكثر. هذا الشيء أفضل لأنه يتيح الفرصة للطالب للدراسة والاختصاص في المجال الذي يحبه وبالتالي تكون الدراسة ممتعة".

وعقّب: "أحببت في بريطانيا الدعم الكبير الذي يقدمه المعلمون للطلاب، وتقبلهم ومساعدتهم للطلاب في أصعب الظروف حتى لو كان الطالب من بلد آخر".

أما أجمل ما وجدته في بريطانيا، حسب وصفه، هو "الحب، الحرية والسلام".

لم تكن نجاحات أحمد في بريطانيا، خالية من الصعوبات. وربما تنتظره قائمة طويلة من التحديات في المستقبل القريب أيضاً، أبرزها، حسبما أخبرنا، هي المنافسة القوية على دراسة الطب في بريطانيا. فالقبول لدراسة الطب لا يقتصر على الحصول على الدرجات العالية فحسب، بل يجب إجراء مقابلة والخضوع لفحص يتم فيه اختبار القدرات العقلية السريعة.

لكن تحدي دراسة الطب في بريطانيا، زاد أحمد تصميماً، فقرر ألا يسلك الطرق السهلة. يقول: "الدخول لدراسة الطب هنا يعتبر الأكثر تعقيداً عالمياً، هذا ما أخبرني به أستاذ الكيمياء. ونصحني بالسفر إلى بعض الدول الأوروبية الأخرى، حيث أستطيع دراسة الطب البشري فيها بسهولة بعد حصولي على الشهادة الثانوية. ولكن كان ذلك سبباً في زيادة إصراري على البقاء هنا، والدراسة في أفضل جامعات العالم".

من المشاكل التي واجهتها هو ظهور المفردات الانكليزية الجديدة بشكل متواصل خلال دراستي للمجال العلمي ولكن تجاوزت هذه المشكلة من خلال استخدام تطبيق الترجمة ومساعدة اساتذتي واصدقائي في المدرسة. و تعد ابرز المشاكل هو المنافسة القوية على دراسة الطب في بريطانيا،


لكن هل يفكر أحمد بسوريا؟، وهل يدور في خلده أن يعود يوماً إليها، لو كانت الظروف مناسبة في المستقبل؟، يجيبنا: "سوريا في قلبي وبريطانيا في عقلي. أحب كلا البلدين فهما صنعا المستقبل لي. طبعاً أرغب في العودة إلى سوريا وأحب أن أعيش في كلا البلدين. فعملي كطبيب يتطلب الإنسانية. والإنسانية لا تقتصر على حب الوطن فحسب. أحب أن أعالج المرضى في جميع أنحاء العالم".

لكن ماذا عن طموحه؟، وماذا عن موقع سوريا في هذا الطموح؟، قال لنا: "طموحي هو أن أجعل الحياة أفضل من حولنا. أحب أن أساهم في ارتقاء سوريا في كافة المجالات وخصوصاً التعليم، فأنا قد جربت الدراسة في كلا البلدين وأستطيع أن أرى أسباب الارتقاء هنا. أتمنى أن تكون سوريا بلداً جميلاً ومتحضراً كبريطانيا".

رغم نشوة النجاح التي تغمره، يشعر أحمد بمآسي السوريين، لكنه يرى أن لدينا جميعاً سبلاً لمواجهة مآسينا، وعلينا أن نبحث عن هذه السبل. لذا ختم حديثه لنا بالجمل التالية: "رسالتي لجميع السورريين هي الإصرار على النجاح. فأنا أؤمن أن جميعنا يستطيع التفوق حتى في أقسى الظروف. الحرب أماتت العديد من القلوب ولكني أرى أفضل طرق الانتقام هي النجاح".

بدوره، يتمنى "اقتصاد" المزيد من النجاح والتفوق لـ أحمد جهاد خلف، ولأقرانه من السوريين المتفوقين والمبدعين، أولئك الذين تحدوا الصعاب ليثبتوا لأنفسهم أولاً، ومن ثم للعالم، أن السوريّ قامة ممشوقة تستحق التقدير، مهما نالت منه الظروف.

ترك تعليق

التعليق