السلة الإغاثية في ريف حمص.. ثراء للتاجر، وعلف للحيوانات


تنفيذاً للقرار الأممي 2245 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 2015/12/18، بدأت قوافل الإغاثة الأممية بالوصول بشكل منتظم أو شبه منتظم إلى المناطق المحاصرة أو صعبة الوصول كما صنفتها الوكالات التابعة للأمم المتحدة.

فدخل ريف حمص الشمالي بعد إصدار القرار المذكور 3 قوافل في عام 2016 و 4 قوافل حتى تاريخ إعداد هذا التقرير في عام 2017. حملت القوافل أطناناً من المواد الغذائية والطحين ومعدات للأفران التابعة لبرنامج الأغذية العالمي W.F.P ومولدات ضخمة لتشغيل مضخات المياه.

لكن رداءة المواد الغذائية التي تحملها القوافل وعدم صلاحيتها نسبياً للاستهلاك البشري، أجبرت مستلميها على بيعها في أسواق موسمية تظهر بمجرد اقتراب موعد دخول القافلة وتختفي بشراء الكمية كاملة تقريباً، فيقوم قسم من تجار هذا السوق بتخزين هذه المواد لحين بيعها مرة أخرى، ويقوم القسم الآخر بتوريدها إلى مطاحن الأعلاف المنتشرة في المنطقة لتتحول إلى أعلاف للثروة الحيوانية.

محتويات السلة والأسعار

تحتوي السلال المقدمة من برنامج الأغذية العالمية والصليب الأحمر الدولي على 5 كغ برغل خشن و 1 كغ ملح و5 كغ عدس و5 كغ حمص و 10 كغ رز و6 لتر زيت كمحتويات أساسية بالإضافة إلى 5 كغ بازيلاء مجففة أو 5 كغ فول.

ومن خلال رصد للأسعار قام به "اقتصاد"، سجلت محتويات السلة أسعاراً متدنية جداً، فقد كان سعر كيلو البرغل 70 ليرة و 80 ليرة كيلو البازيلاء و90 ليرة كيلو العدس و300 ليرة كيلو الحمص و60 ليرة لكيلو الرز، أما أسعار الملح والزيت والسكر فهي بأسعار السوق العادية كونها من حاجيات البيت الرئيسية ولا يتم بيعها فكيلو الملح 75 ولتر الزيت 650 ليرة.

أسباب البيع

بعد 7 سنين من الحرب والحصار أضحى 75% من سكان ريف حمص الشمالي تحت خط الفقر، والسواد الأعظم منهم بلا دخل، مما أجبرهم على بيع مستحقاتهم من السلال الغذائية غير القابلة للاستهلاك، وعوضاً عنها يشترون مواد غذائية مقبولة أو أدوية وحاجيات أخرى.

"أبو جابر" من سكان مدينة الرستن تحدث لـ"اقتصاد": "نعم. نستلم مستحقاتنا من القوافل الإغاثية لكن سوء المواد التي تحتويها تدفعنا إلى بيعها بأرخص الأثمان فهي غير صالحة للأكل، فأنا شخصياً أبيعها لأشتري حاجيات أخرى من أدوية أو خضار، ناهيك عن أن المواد ينخرها السوس مثل الفول والحمص، أما الأرز فهو من أسوأ أنواع الأرز في العالم، مما جعل أسعارها متدنية للغاية وغير صالحة للاستهلاك".

تجار التخزين والتجار البسطاء

ما أن تُوزع السلال الغذائية حتى تمتلئ شوارع ريف حمص الشمالي بتجار على دراجات نارية أو هوائية، يطوفون الأحياء السكنية لشراء المواد الموزعة لصالح تجار التخزين مقابل راتب مقطوع أو نسبة معينة أو بشرائها لحسابهم ثم بيعها بعد إضافة ربح بسيط مما يكسبهم بعض الرزق.

"أبو اسماعيل" من مدينة تلبيسة تاجر صغير قال لـ"اقتصاد": "بعد تسليم الحصص لسكان المدينة، أركب دراجتي النارية وأبدأ بشراء ما يريد الناس بيعه من محتويات المعونة، مقابل مبلغ أتقاضاه من تاجر التخزين".

فيسعى بعض التجار إلى تخزين هذه المواد رغم رداءتها منتظرين مشروعاً إغاثياً لإحدى المنظمات لتقوم بشراء كميات من هذه المواد، ليعاد توزيعها على المستحقين وليعود التاجر لشرائها وبيعها مرة أخرى.

"ناصر وحود" من تجار قرية الزعفرانة قال في تصريح خاص لـ"اقتصاد": "أنا أشتري المواد من السكان فهم يريدون البيع لأن المواد غير قابلة للاستهلاك، وبعد وقت قصير يأتي أحد مسؤولي الجمعيات ليشتري من نفس المواد التي باعها المواطن بحجة أنها أرخص ويستطيع بذلك تأمين عدد مستفيدين أكبر، لأقوم مرة أخرى بشرائها بعد التوزيع من المستفيد".

لتدور المواد في حلقة مفرغة من التاجر إلى المشروع الإغاثي إلى المستفيد، ليعود ويبيعها للتاجر.

إلى طاحونة العلف

وتسلك المواد المكونة للسلة الإغاثية طريقها أيضاً إلى طاحونة العلف، فبعد أن تمتلئ مخازن التجار يبدأ أصحاب مطاحن العلف بشراء هذه المواد أيضاً للقيام بجرشها وبيعها كعلف للمربين أو يقوم المربون بشراء المواد ثم طحنها لتقديمها علفاً لحيواناتهم.

"أبو إبراهيم" صاحب إحدى مطاحن العلف قال لـ"اقتصاد": "أصبح هناك طلب على الأعلاف المطحونة من المواد الإغاثية فهي أرخص ثمناً، فأصبحنا نشتري هذه المواد ونقوم بطحنها وبيعها، وكثير من المربين يشترون المواد من أقاربهم ويجلبونها إلينا لنقوم بطحنها، فهذه المواد جميعها قد نخرها السوس ولا سبيل لها سوى أن تكون علفاً للحيوانات".

وهكذا فإن رداءة المواد جعلت السلة الغذائية سلعة تزيد من ثراء التجار. وبدلاً من دعم السكان، تدعم الثروة الحيوانية.

ترك تعليق

التعليق