حرفي ينقل صناعة الزنانير السورية إلى الأردن


تُعد صناعة الزنانير واحدة من الصناعات النسيجية التراثية التي عُرفت في سوريا منذ آلاف السنين، ويرجع أقدم ذكر لهذا الزي المميز إلى ما قبل ولادة السيد المسيح إذ عثر في إحدى كنائس مدينة حمص التي عرفت فيما بعد باسم (أم الزنار ) على زنار يُنسب للسيدة العذراء عام 1953 ضمن جرن من الحجر البركاني على شكل تاج عمود بسيط داخل علبة من الفضة الممزوجة بمعدن آخر، ووجد ضمن العلبة زنار ملفوف حوله قطع من الخيطان والقماش. وامتاز هذا الزنار بلونه البيجي الفاتح وهو مصنوع من خيوط صوفية طولانية في الداخل نسج عليها خيوط من الحرير، ويرجح أنه مصنوع من خيوط كتان وحرير وطُرّز الزنار بخيوط من الذهب على سطحه الخارجي.

الحرفي "حسن المصري" هو أحد الحرفيين الذين حافظوا على هذا الزي الذي أوشك أن يندثر ويطويه الزمن وعمل على نسج زنانير ملونة آية في الإبداع في محله الصغير في أحد أحياء حمص القديمة لسنوات طويلة، قبل أن يحل شبح الحرب فيضطر للجوء مع عائلته إلى الأردن.

 وآثر "المصري" على العمل في المهنة التي أحبها وعمل بها منذ الصغر ليؤمن لقمة عيشه في ظروف اللجوء الصعبة. وفي أرجاء مختلفة من محله في مدينة الرمثا (شمال الأردن) يرى الزائر عشرات الزنانير التي صنعها الحرفي اللاجىء من أقمشة ملونة.

 ورغم ضعف الطلب على هذا الزي لا يعدم "المصري" أن يجد من يشتريه من بعض النسوة في البادية الشمالية في الأردن اللواتي اعتدن على ارتداء حزام يدعى (الشويحي) منسوج من الحرير المزركش تتدلى منه شراشيب تصل الركبة ولكنه اختفى خلال السنوات الماضية فاستعضن عنه بالزنانير السورية.

كما تلقى زنانير الحرفي السوري اهتمام وإقبال هواة جمع التراث وتوثيقه وكذلك بعض الشابات اللواتي يتخذنه كموديل جديد يتماشى مع العصر والموضة.


وتختلف الزنانير التي كانت تُلبس في بعض الأرياف السورية من منطقة إلى أخرى ومنها -كما يقول المصري لـ "اقتصاد"- (الشالة العجمية) التي تنتشر في صيدنايا ومنطقة الغاب، و(الشملة الملونة) وهي من الحرير المقلم بألوان كثيرة طويلة تتراوح بين الفضي والبنفسجي والأخضر والبرتقالي والمنتشرة في جبل سمعان والجبال الساحلية وعند الفراتيات في الجزيرة السورية.

 ومن أشكال الزنانير –كما يقول محدثنا- (الَكمر ) وهو من الصوف بطول 4 إلى 5 أمتار وبعرض 10 - 12 سم ملون بأقلام أفقية حمراء وسوداء وخضراء وتنتهي أطرافه بشراشيب من الصوف بنفس الألوان السابقة كما في سهول دمشق وحماه. و(الحزام الفضي)، وكانت النساء الميسورات والعرائس يرتدين زنانير عبارة عن سلك فضي رقيق يتراوح عرضه بين 5 - 7 سم وله قفل جميل من الأمام يتخذ غالباً موضوعاً لزخارف متنوعة مصاغة بأسلاك رفيعة من الفضة الملتفة ومرصعة بالأحجار الكريمة المختلفة كالفيروز والياقوت، وانتشر هذا النوع في لواء اسكندرون والجزيرة السورية والقلمون ووادي الفرات وبعض قرى حلب.


ولفت محدثنا إلى نوع من الزنانير اعتاد على صنعها على نوله الخشبي ويُدعى (الشملة) وهو يتألف من قطعة مربعة على الغالب أو مستطيلة والغاية منه أن يمسك بطرفي القنباز فيمنعها من الانفتاح أولاً ثم الإفادة من نصف الثوب العلوي الذي يتحول بوجود الزنار إلى جيب كبير يُدعى (العب) يضع فيه الرجل عموم حوائجه من نقود ومفاتيح ودخان ومنديل وغير ذلك.

 وتُطوى الزنانير الرجالية بشكل مائل وتُلف حول الخصر بدوائر متعددة بحيث تبدو ثنياتها من الأمام متدرجة ومنسقة بعضها فوق بعض بعدد فردي دائماً وفي كل من طرفيها قطعة قماش ضيقة تعقد من الخلف عند الرجال ومن الأمام عند النساء وتلف حول الخصر بصورة عريضة كثيراً أو قليلاً حسب طول الخصر.


ويتحدث الحرفي القادم من حمص عن أنواع مميزة من الزنانير كان الحرفيون يصنعونها من قماش الموسلين أو الصوف المبطن من الداخل أو من البروكار وكان هذا النوع من الزنانير الفاخرة تُزيّن برسوم وأشكال ونقوش هندسية ونباتية وتوشى بخيوط دقيقة من الذهب.

 ويستطرد المصري متحدثاً بحماس عن النقشات التي كانت توشي زنانير البروكار ومنها نقشة (طيور الجنة) ذات الصفة الشعبية الأولى في التراث الشامي وهناك نقشة (البندقية) و(زهرة الأفيون) و(الخيط العربي) ذو النقشة الشامية الخالصة ونقشة (الألوان السبعة) المعقدة ونقشة السلطان صلاح الدين الأيوبي وعمر الخيام.


 ومع هبوب رياح العصر التي طالت مفردات الزي الشعبي المحببة غابت الكثير من مظاهر الزنانير الحريرية والشملات الملونة وأصبحت خصور النساء والرجال خالية من لمسة الدفء والجمال (عارية) إلا من قبح البلاستيك والجلد الصناعي.


ترك تعليق

التعليق