قرية الزارة المنسية.. هل تُقرع أجراس العودة؟


منذ أيام قليلة، دخل محافظ حمص إلى قرية "الزارة"، وبرفقته رؤساء بلديات تلكلخ والزارة وجهات حزبية ومدراء مؤسسات المياه والكهرباء والزراعة، بمرافقة جهات أمنية تابعة للنظام.

وتقع قرية الزارة في ريف حمص الغربي. وهي فارغة من سكانها بشكل كامل، تقريباً، منذ أكثر من 4 سنوات، حينما تمكنت قوات النظام وميليشيات طائفية موالية له، من اقتحامها، حيث شهدت القرية حينها مجازر ذهب ضحيتها 150 شخصاً على الأقل، ليتم تهجير كل سكانها، لاحقاً، وتبع ذلك نهب ممنهج وتعفيش شامل لكل شيء في القرية.

(من معالم النهب والتخريب في الزارة)

وهذه هي المرة الأولى التي تُبدي فيها سلطات النظام اهتماماً رسمياً بإعادة الحياة للقرية الخاوية على عروشها. إذ سُمح لحوالي 100 شخص من أهالي القرية المُهجّرين في تلكلخ ومناطق أخرى، بدخولها، دخولاً مؤقتاً، برفقة المحافظ.

وقام المحافظ ومن معه، بجولة قصيرة في أحد أحياء القرية. والتُقطت الصور، وأُعدت "ريبورتاجات" من وكالات إعلام وتلفزة تابعة للنظام، تُبشّر فيها ببدء خطوات إعادة تأهيل االبنى التحتية في القرية، والعمل على إعادة بعض الأهالي.

مطالبات سابقة لإعادة الاعمار والعودة

خلال السنوات التي تلت التهجير، جرت محاولات ومطالبات عديدة من الأهالي المُهجّرين من خلال قنوات "حزب البعث" والمحافظة وبعض الجهات الأمنية. لكنها كانت كلها تُقابل بالتسويف والمماطلة والرفض بححج واهية من قبيل "الضرورات الأمنية". فيما يعتقد بعض مُهجّري "الزارة" أن الرفض الرسمي لإعادتهم إلى بلدتهم كان نتاج مطالب أهالي بلدات مجاورة، وعلى أسس طائفية.

وكثيراً ما انتشرت دعوات لتسجيل أسماء العائلات الراغبة بالعودة. وكادت تصبح عادة سنوية، يتم فيها التسجيل ورفع المعروضات للجهات الأمنية والمحافظ. كانت كلها تذهب أدراج الرياح. وهو ما فسّره بعض أهالي "الزارة"، بأنه استجابة لمطالب "طائفية".

وهذا ما وصفه أحد أبناء القرية، في تصريح لـ "اقتصاد": "كان عبارة عن كلام مكاتب وورق ولا يوجد شيء رسمي، فكثيراً ما كنا نسطر كتب وطلبات إلى رئيس الخطة الأمنية في المحافظة. ولكن دون جدوى".

هذه التحفظات أشار وألمح إليها محافظ حمص أثناء لقائه مع بعض أهالي القرية (30 شخصاً) في تلكلخ حيث قال: "إن التحفظات انتهت وجاءت تعليمات من الرئيس بإعادة جميع المُهجّرين إلى قراهم ومناطقهم".

(بعض أهالي القرية الذين دخلوا مع المحافظ)

المحافظ ومدراء الخدمات

في يوم الدخول التفقدي لقرية الزارة، تم تقدير الخسارة لقطاع الكهرباء فقط بـ 170 مليون ليرة سورية، حيث صرحت بذلك مديرة الكهرباء في حمص المرافقة للمحافظ. وتم الإعلان عن العمل على إعادة جزء من الشبكة في جزء من القرية. لكن لم تُقدم تكلفة تقديرية لذلك.

أما مدير المياه فقدم تكلفة أولية لإعادة تأهيل بئر ماء واحد، وتأهيل جزئي من الشبكة، بتكلفة 80 مليون ليرة سورية.

(المحافظ ومرافقيه داخل أحد أحياء القرية)

من سيعود إلى القرية؟

تشير التوقعات، من خلال من سجّل اسمه ويرغب بالعودة إلى قريته ومنزله المنهوب والمدمر، إلى ما يقارب (400-500) عائلة، بافتراض كل عائلة 5 أشخاص من مختلف الأعمار، قد يصل العدد إلى حوالي 2500 شخص، جلهم من كبار السن والنساء والأطفال وبعض الموظفين والمتقاعدين أو ممن أنهى الخدمة الإلزامية والاحتياط.

(من معالم الدمار في القرية)

هل هناك تعويضات ومساعدات للإعمار؟

تعرضت قرية الزارة خلال سنوات الثورة والحصار، للقصف بمختلف أنواع الأسلحة من قوات النظام وميلشياته الطائفية. ومن ثم تعرضت القرية لحجم أكبر من الدمار والتخريب بعد دخول الشبيحة والطائفين من القرى المحيطة، حيث عملوا وبشكل ممنهج وبتغطية أمنية وعسكرية وتعتيم إعلامي، على نهب كل شيء، من آليات مختلفة عامة وخاصة وزراعية، بالإضافة لنهب المنازل وكل ما فيها حتى الرخام والبلاط تم نهبه، ووصل الأمر في مراحل لاحقة إلى هدم أسقف المنازل وسحب حديد البناء، بالإضافة لقطع الأشجار بشكل كامل من كل أراضي ومزارع القرية، ولم تسلم الأبنية الحكومية والحزبية أيضاً من النهب والتخريب المتعمد الذي ظهر في صورة خلف المحافظ، حيث مدرسة ثانوية الزارة، تم نهب رخام جدرانها وتجهيزاتها.

والمثير للسخرية عند كلام مسؤولي الكهرباء والمياه والمحافظ وغيرهم، أن يتهموا "الإرهاب" بالتخريب والنهب، في حين يعلم القاصي والداني أن الفاعلين هم ميلشيات وشبيحة النظام والقرى المحيطة.

(منزل تم تهديم سقفه لنهب الحديد)

مساعدات وتعويضات.. ولكن

عند مطالبات واستفسارات الأهالي عن التخريب والنهب والسرقات، هل سيتم تعويضها من الحكومة، ليستطيع من يريد العودة أن يبدأ من الصفر؟.. كانت الإجابة بأنه سيتم تقدير الأضرار وفق ضبوطات جنائية جديدة كون الضبوطات القديمة قد تغير واقعها بعد 3 سنوات من النهب والتخريب. وألمحت تصريحات رسمية إلى أنه من الممكن أن يتم تعويض 30% من قيمة الأضرار، وهذه العملية قد تحتاج وقتاً قد يصل إلى  6 أشهر أو سنة، وربما أكثر.

(الزارة)

مساعدات زراعية وهلال أحمر

طالب الأهالي بقروض زراعية طويلة الأجل، كون القرية زراعية بالدرجة الأولى، وفيها مساحات واسعه صالحة للزراعة، ولكن لم يتبقى معدات ولا آليات للزراعة، ولا بذار، كل شيء تم نهبه وتعفيشه.

وكانت هناك وعود من المحافظ والجهات المرافقة له بامكانية تقديم منح زراعية مثل (أبقار أو نحل وبذور للزراعة أو تقديم جررات زراعية عبر الوحدة الإرشادية الزراعية...الخ).

ومن الممكن أن يقدم الهلال الأحمر بعض المساعدات في ترميم جزء من المنازل، كالأبواب والنوافذ وبعض مستلزمات البناء.

(من معالم التخريب في القرية)

ماذا عن الأمن وحماية العائدين من الجهات الطائفية؟

برزت مطالبات بضرورة العمل على افتتاح مخفر للشرطة في القرية، بالإضافة للجان شعبية وكتائب البعث (حماية ذاتية) بقيادة ضابط "عميد" متقاعد من أبناء القرية مع مطالبة الأهالي بضرورة أن تكون هناك حواجز ودوريات مشتركة مع الجهات الأمنية المختلفة، منعاً للاستفزازات ومحاولات أطراف طائفية من المحيط المتضرر جراء عودة أصحاب الأراضي والمنازل، حيث سينقطع النهب والتخريب، وسيعمل المتضررون على إفشال العودة بأي شكل كان.

ترميم وتجهيز المدارس والمباني العامة

وسيتم ترميم المدارس والأبنية الحكومية في القرية، حسب وعود المحافظ ورفاقه، وذلك عبر متعهدين لإعادة الإعمار والترميم والتجهيز.

كل ذلك تم تداوله خلال زيارة المحافظ للقرية واجتماعه في المركز الثقافي في تلكلخ مع 30 شخصاً كممثلين عن أبناء القرية المُهجّرين اللاجئين في تلكلخ وغيرها.

ومن خلال استطلاع بعض الآراء بعد هذه اللقاءات، أبدى المجتمعون شيئاً من التفاؤل، مراهنين على أن هذه المرة مختلفة، وأنه يبدو أن هناك جدية وعمل على إعادة بعض الأهالي إلى قرية "الزارة"، كما حدث في "الحصن والشواهد"، المجاورتين، في أوقات سابقة.

ولكن السؤال الأهم، ماذا عن المختطفين والمغيبين قسراً، والمختفيين والمفقودين والمعتقلين من أبناء القرية على يد الشبيحة والميلشيات والجهات الأمنية؟

وماذا عن مئات وعشرات السيارات والآليات المسروقة والأملاك المنهوبة؟
 
هذه الأمور لم يتم التكلم بها حيث كان هناك توجيه قبل الاجتماع أنه لا يجب الكلام بهذه الأمور حالياً، وأن يكون النقاش والمطالبات فقط بالخدمات وإعادة بعض البنى التحتية، والعودة.

فهل فعلاً، أجراس العودة ستقرع إلى قرية الزارة بعد زوال التحفظات؟، أم هي تأثيرات مرحلة خفض التصعيد ودوران عجلة الحلحلة في عموم الوطن؟

ترك تعليق

التعليق