قصص من درعا.. الأمراض المزمنة تساند مخابرات النظام


تروي شابة سورية حكايتها لـ "اقتصاد" بمرارة. مريم، 24 عاماً، طالبة جامعية، فتك السرطان بجسد والدتها، ميساء، 48 عاماً، نتيجة تأخرها في تلقي العلاج المناسب. فضعف الإمكانات العلاجية، وخوف والدتها من الذهاب للعلاج في مشافي النظام بدمشق، أوصلاها لحالة يرثى لها.

هكذا هي الحال في المناطق المحررة من درعا. فالمصابون بأمراض مزمنة، لديهم خياران، إما المخاطرة بالاعتقال في حال الذهاب إلى دمشق، لتلقي العلاج، أو ترك أجسادهم نهشاً للأمراض التي نالت منها.

في حالة والدة مريم، فإن سرطان الثدي الذي أصابها، من الأمراض التي كان يمكن علاجها. لكن عدم توفر العلاج في المشافي الميدانية، وتعذر الوصول إلى مدينة دمشق خوفاً من الاعتقال، وعدم توفر الإمكانات المادية، ساهم في انتشار المرض بجسدها، وموتها لاحقاً.

عمل النظام جاهداً على استهداف المشافي في درعا، بما فيها الميدانية منها. ومع تراجع الدعم الخارجي للكثير من المناطق المحررة، بات القطاع الصحي هناك في حالة عجز كبير. وكان المصابون بأمراض مزمنة، الضحية الأولى لذلك العجز.

قصة أخرى يرويها "أبو سعيد" 55 عاماً، من ريف درعا الغربي. فقد اضطر إلى دفع مبالغ كبيرة لعلاج زوجته التي أصيبت بسرطان الدم. وثمن الجرعات التي حددها الأطباء في مناطق سيطرة النظام، استنزفت كل إمكانياته المادية، واضطر معها إلى بيع الكثير من مقتنيات منزله، والاستدانة لتأمين المبالغ اللازمة للعلاج.

ثمن الجرعة الأسبوعية التي كانت تتلقاها زوجة "أبو سعيد" وصلت إلى 50 ألف ليرة سورية. هذا عدا عن أجور الفحوصات الطبية التي تسبق الجرعة وأجور النقل. وبسبب الأوضاع الأمنية، وعدم توفر سيارات نقل عامة بشكل دائم على خط دمشق وبعض قرى درعا، كان "أبو سعيد" يضطر أحياناً إلى استئجار سيارة خاصة، بأجر يصل إلى نحو 30 ألف ليرة أسبوعياً، لنقل زوجته بهدف تلقي العلاج.

أمراض، كالسرطان، والفشل الكلوي، والأورام  الخبيثة، إلى جانب الحاجة إلى حواضن الأطفال، وسوء خدمات طب الأطفال بشكل عام، كلها عوامل تضطر المرضى مرغمين على الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام، وتلقي العلاج في المشافي التابعة له. 

لا تختلف قصة، "سلمان الخليل"، 50 عاماً، عن سابقاتها. فهو مزارع يضطر للسفر إلى دمشق، من أجل الخضوع لجلسات غسيل الكلى. وينفق مبالغ كبيرة جراء ذلك. وكان سلمان يتلقى العلاج في إحدى المشافي الميدانية في منطقته. لكن قوات النظام قصفت المشفى ودمرته. ومع عدم وجود بديل عنه، اضطر سلمان للذهاب إلى دمشق متحملاً مشقة السفر، وانتظار ساعات طويلة على الحواجز، والتعرض لمختلف أشكال الألم والإهانة.

ولاحقاً، قرر سلمان التوقف عن متابعة العلاج. فأجرة النقل المرتفعة، وأسعار الأدوية الباهظة، وعجزه عن تأمين تكاليف العلاج، كل ذلك أجبره على التوقف عنه.

أما بديعة، 45 عاماً، وهي ربة منزل، كانت تقوم بغسيل الكلى مرة في الشهر، لكن وضعها الصحي ساء، وازداد تفاقماً، وأصبحت تغسل مرة في الأسبوع، وتدفع 15 ألف ليرة سورية، تكاليف السفر من قريتها في ريف درعا الغربي إلى إحدى مدن المحافظة كل أسبوع، هذا عدا عن النفقات المالية الأخرى التي تتعلق بالعلاج.

هذا المبلغ كانت تساهم به بعض الأيادي البيضاء، حسب وصفها. لكن الأمور تدهورت مؤخراً، بسبب سوء الوضع المادي لكثير من مقدمي المساعدات. ولا تدري بديعة كيف ستؤمن تكاليف علاجها في الفترة القادمة.

أما معاذ، وهو أحد المنشقين عن النظام، فقال لـ "اقتصاد": "اكتشف الأطباء مرض سرطان /القولون/ لدي في إحدى المشافي الميدانية أثناءإجراء فحوصات عادية"، مبيناً أن وضعه الصحي يحتاج إلى دراسة سريرية معمقة حسب رأي الأطباء المختصين، وهذا يتطلب مشافي ذات إمكانيات عالية وأجهزة طبية متقدمة وأموالاً. وهذا لا يتوفر إلا في المشافي الحكومية في مناطق النظام، أو خارج البلد.

ولا يستطيع معاذ الذهاب إلى أي مشفى في مناطق النظام، كونه مطلوباً بتهمة الانشقاق. ورغم حرج  وضعه الصحي والآلام التي يعاني منها، فقد استسلم لوضعه وبات ينتظر لطف الله والموت على فراشه.

ويستخدم معاذ المسكنات فقط لتخفيف الآلام. لكنها باتت لا تجدي نفعاً في تسكين آلامه.

بدوره، "أبو عماد"، 48 عاماً، هو موظف سابق يحتاج إلى /قثطرة/ قلبية عاجلة نظراً لسوء وضعه الصحي. وهو ما لا يستطيع فعل ذلك في المشافي الميدانية بالمناطق المحررة، التي تفتقر لهذا النوع من العلاج.

وسيضطر أبو عماد إلى العلاج بدمشق في إحدى المشافي الحكومية. لكنه يتردد في الذهاب إلى هناك، خوفاً من الاعتقال، لأنه لا يعرف ما هي التهمة التي يمكن أن توجه له، كونه من المناطق الخاضعة لسلطة إحدى فصائل الجيش الحر.

الناشط، أبو عامر الدرعاوي، يقول لـ "اقتصاد": "المريض في المناطق المحررة يعيش في حالة يأس وإحباط فوق سوء وضعه الصحي، بسبب عدم تمكنه من العلاج في المشافي الميدانية لقلة إمكانياتها، كما أنه لا يستطيع أن يذهب للعلاج في المشافي الحكومية خوفاً من الاعتقال على الحواجز، الأمر الذي يجعله أمام خيارين أحلاهما مر".

ويضيف أن "عشرات المرضى المصابين بأمراض مزمنة عاجزون عن تأمين العلاج، ما يتطلب تقديم يد العون والمساعدة لهم".

ويدعو الناشط، أبو عامر الدرعاوي، المنظمات الإنسانية والطبية العربية والعالمية، للنظر في أوضاع سكان المناطق المحررة من الناحية الصحية، وتقديم ما أمكن لمساعدتهم في تلقي العلاج المناسب، والعمل على إعادة دعم المشافي بالتجهيزات والأدوية اللازمة.

يشار إلى أن المناطق المحررة شهدت ازدياداً ملحوظاً بعدد مرضى السرطان والأمراض المستعصية الأخرى، حيث أرجعت دراسات غير رسمية، السبب في ذلك إلى تلوث الهواء والماء الناتج عن استخدام الأسلحة الحربية، وسوء التغذية بسبب الحصار، وعوامل وراثية وأخرى نفسية خلفتها الحرب.

ترك تعليق

التعليق