مهنة موسمية مؤلمة ومجدية مالياً، يسببها المكدوس في درعا


أنعشت صناعة  المكدوس المنزلي في محافظة درعا، مهنة موسمية جديدة، لم تكن معروفة في السابق على نطاق واسع، ألا وهي مهنة "فرم" الفليفلة الحادة والحلوة، التي يتم تحضيرها للمكدوس، ما أسهم في تأمين بعض فرص العمل الموسمية للشباب، في عدة مناطق من المحافظة.

ويؤكد سامر الخطاب، 18 عاماً، أن العمل في فرم الفليفلة التي تُحضّر لحشي المكدوس، مهنة جيدة تدر بعض الأرباح، وتؤمن دخلاً محترماً لبعض الشباب الباحث عن عمل، موضحاً أن هذه المهنة بدأت تلقى رواجاً في بعض مناطق حوران، ولاسيما في محلات اللحامين حيث تتوفر وسائل المهنة وأدواتها، التي تتكون من آلة كهربائية لفرم الفليفلة، ومولدة أو مصدر طاقة يستطيع تشغيل الماكينة الكهربائية.

ولفت إلى أن "بعض اللحامين ممن تتوفر لديهم أدوات فرم الفليفلة لا يعملون بفرم الفليفلة، بل يتفقون مع شباب وعمال موسمين، مقابل أجر معين أو مقابل تقاسم الأرباح مناصفة، بعد دفع ثمن كميات المازوت اللازمة لتشغيل المولدة التي يصل اللتر منها إلى 500 ليرة سورية"، مشيراً إلى أنه يعمل كل عام في موسم فرم الفليفلة، ويؤمن جميع تكاليف دراسته الجامعية وبعض اللباس وثمن الكتب.

وأشار إلى أن "العمل في هذه المهنة يبدأ من منتصف شهر آب تقريباً، وذلك بالتزامن مع نزول الباذنجان والفليفلة الحمراء الحادة والحلوة الخاصة بالمكدوس إلى الأسواق، ويستمر حتى نهاية شهر تشرين ثاني من كل عام، حيث يكون معظم الناس قد حضر مونته السنوية".

وقال عامر العمر، 22 عاماً، وهو يعمل في فرم الفليفلة منذ عامين، أنه يتقاضى عن فرم  كل كغ نحو 50 ليرة سورية، وأن دخله اليومي يتراوح ما بين 2500 ليرة سورية و 3000 ليرة سورية صافي، وأن دخله المادي يتوقف على الكميات التي يقوم بفرمها، والتي غالباً ما تزداد وتنقص  حسب أسعار الباذنجان والفليفلة في السوق، وإقبال الناس عليها، إذ غالباً ما ينتظر بعض الناس نزول الأسعار لشراء احتياجاتهم.

فيما أكد سيف الظاهر، 35 عاماً، أن هذا العمل يشهد منافسة قوية وكسر للأسعار أحياناً لجذب الزبائن، مبيناً أن من أهم الصعوبات التي تواجه عملهم هي الآلام الشديدة التي تصيب الأيادي والعيون، بسبب حدة الفليفلة، ما يجعله يضطر إلى تناول المسكنات للتخفيف من الآلام، التي قد تستمر ساعات طويلة.

وأضاف أن "من يعمل في هذه المهنة، يتعرض لهذه الآلام رغم أنه يرتدي قفازات مطاطية، لكنها في كثير من الأحيان لا تُجدي نفعاً"، مشيراً إلى أن دخله الموسمي لا يقل عن 75 ألف ليرة سورية، أثناء موسم صناعة المكدوس، وهذا المبلغ يؤمن له بعض متطلبات معيشته الضرورية.

وأضاف أن المواطن أصبح في هذه الظروف، يقبل العمل في أي مهنة مهما كانت صعوبتها أو أضرارها، وذلك بهدف تأمين بعض المال "ولو قليله"، ليعين نفسه على لقمة العيش، وذلك  بعد أن توقفت معظم الأعمال بسبب الحرب، معبراً عن أمله في أن تنتهي الحرب قريباً، وتُفتح جبهات عمل جديدة، يستطيع الناس من خلالها التقاط أرزاقهم.

من جهته، أكد أبو عبده، 55 عاماً، وهو لحام يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، أن الجزار أو اللحام لم يكن يتقاضى في السابق أي أجر عن فرم الفليفلة، عندما كانت تتوفر الطاقة الكهربائية بشكل مستمر، لافتاً إلى أنه كان في موسم الفليفلة يؤمن ماكينة فرم خاصة بدون مقابل أو أجر، خدمة للناس. 

وأضاف: "أما الآن وبسبب الكميات الكبيرة التي يجلبها الناس والنفقات الاستهلاكية، وعدم وجود كهرباء، واضطرارنا لتشغيل المولدات لتأمين الطاقة للماكينات، بتنا نحصل على أجر لسد تلك النفقات"، لافتاً إلى أن الأجرة تقدر عادة على الكرتونة، وتتراوح ما بين 450 و 500 ليرة سورية، وذلك حسب حجمها، والتي غالباً ما تتسع إلى عشرة كيلو غرامات من الفليفلة الجاهزة للفرم.

بعض الأهالي أشاروا إلى  أن "صناعة المكدوس كأحد أهم مكونات المونة المنزلية لدى أهالي درعا، تشهد إقبالاً  كبيراً نظراً لتوفر مكوناتها في غالبية مناطق المحافظة، وبأسعار مقبولة نسبياً، سيما وأن المواد الداخلة في صناعتها هي من إنتاج تلك المناطق".

وأكد عدد من سكان المحافظة، تحدث معهم "اقتصاد"، أن "المكدوس الذي كان يعتبر أحد أنواع المقبلات في المطبخ السوري  أصبح بسبب حالة الفقر التي وصلت إليها بعض الأسر، يدخل في عداد الوجبات الرئيسية أحياناً، إذ لم يعد حكراً على وجبتي الإفطار والعشاء".

ولفتوا إلى أن الكميات التي يتم تموينها، أصبحت تتضاعف بسبب عدم القدرة على إيجاد بدائل أخرى أرخص ثمناً، والحشوة التي كانت تخلط بالجوز استبدلت بكميات قليلة من الفستق بسبب ارتفاع أسعار الجوز. 

وتقول إحدى السيدات، "متى توفرت حبة المكدوس، ورغيف الخبز وكاس الشاي"، فإن الأمور تصبح بخير، مشيرة إلى أن بعض الأسر تضطر لتناول المكدوس في معظم وجباتها اليومية.

ترك تعليق

التعليق