بالصور: فنان حموي يبدع في صناعة مجسمات مصغرة للنواعير


في ركن قصي من "خان رستم باشا الأثري" وسط مدينة حماة، يجلس الحرفي "يحيى ظاظا" بلباسه الحموي التقليدي محاولاً تثبيت أحد وشاحات ناعورة مصغرة، وهي الهواية التي دأب على ممارستها منذ سنوات طويلة وتحولت إلى مصدر رزق له ولعائلته.

ولد ظاظا ونشأ في حي العليليات على مقربة من نواعير حماة واعتاد على مشاهدتها بشكل يومي وسماع عنينها ودورانها الذي لم يتوقف منذ مئات السنين، مما زاد من تعلقه وولعه بها، فأحب أن تكون له بصمة في صناعة مجسمات لها بأحجام مختلفة تُعرض في الصالات والفلل والمزارع كقطع تزيينية تضفي على المكان جمالية خاصة.

 وبدأت هوايته هذه -كما يروي لـ"اقتصاد"-عندما كان يؤدي الخدمة الإلزامية في بلدة شنشار التابعة لمحافظة حمص، وحينها طلب منه أحد الضباط أن يصنع له مجسم ناعورة باعتبار أنه كان يعمل نجار موبيليا، فصمم أول ناعورة ولكنها لم تكن بالمستوى المطلوب لأنها كانت التجربة الأولى له.


بعد تسريحه عام 1988بدأ ظاظا بتصميم نواعير مصغرة وعرضها على التجار وأصحاب محال الزينة لتأمين لقمة عيشه، وفي عام 2004 التحق بوظيفة في قسم النواعير ببلدية حماة فاكتسب حينها خبرة بأسرارها الخفية، وعقب ذلك خصصت له مديرية السياحة ركناً في سوق المهن اليدوية في خان رستم باشا الأثري ليمارس فيها هوايته، ومن هناك-كما يقول- كانت انطلاقته الحقيقية في هذه الهواية والمهنة في آن معاً وازدادت معرفته وخبرته في هذا المجال يوماً بعد يوم، وشارك ظاظا في
العديد من المهرجانات والمعارض الحرفية التي تقيمها مديرية السياحة في مدينة حماة وفي معرض اكسبو بمدينة شنغهاي الصينية عام 2010.

وتمكن صانع النواعير الحموي منذ سنوات من صناعة أصغر ناعورة في العالم بلغ قطرها 9 سم ولم يتجاوز ارتفاعها الـ 3 سم، مستخدماً في تصميمها-كما قال- أخشاباً متناهية في الصغر بلغ عددها 500 قطعة من خشب "الجوز" القاسي جداً وبسماكات بعضها لا يتجاوز 1 مم أو 2 مم إضافة إلى مسامير صغيرة ودبابيس وعدسات مكبرة وملاقط، في محاولة منه للدخول في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية. ولكن ظروف الحرب حالت دون ذلك.


ولفت الحرفي الحموي إلى أنه يستخدم خشب الجوز عادة في صنع إطار الناعورة بينما يستخدم خشب "السوّيد" في تصميم الأقسام الأخرى، مشيراً إلى أن ناعورة بقياس المترين تستهلك طون خشب، ويحاول أن يعطي للناعورة-كما يقول- تناسباً ومقاييس دقيقة عند تنفيذ جسدها، كونها توضع على محور خشبي من أجل الدوران لذلك فإن أي خطأ في تصميمها يؤدي إلى توقفها وعدم دورانها مهما كانت قوة المياه كبيرة.


وحول مراحل تنفيذ مجسم ناعورة أوضح الحرفي الخمسيني أنه يبدأ بمرحلة العقد وهي تتألف من 16 عقدة يتم تجميعها مع بعض، ويتم بعدها صنع الدوائر وهي نوعان كبيرة وصغيرة ثم يتم تجهيز الوشاحات الرئيسية التي يساوي عددها عدد العقد وهي التي تربط الدائرة الداخلية بالدائرة الخارجية، وهناك-كما يقول- وشاحات ثانوية يبلغ عددها في الناعورة الصغيرة 16 وشاحاً والأكبر منها 20 ثم الأكبر 24.

وأبان محدثنا أن وقت إنجاز الناعورة يختلف بحسب حجمها وشكلها حيث يستغرق تنفيذ ناعورة بقياس المترين فما فوق عشرين يوماً، أما الناعورة الصغيرة بقياس 50 سم فتستغرق أقل من يوم، ويتم تصنيعها بالجملة وليس بشكل إفرادي عادة. وتختلف أحجام مجسمات النواعير بدءاً من قطر لا يتعدى نصف متر وحتى قطر 21 متراً.


وأشار محدثنا إلى أن صنع مجسمات النواعير يحمل الكثير من المتعة ولكنه لا يخلو من الصعوبات في الوقت ذاته، لافتاً إلى أنه صمم خلال تجربته الطويلة أكثر من عشرة آلاف ناعورة ولكنه كلما همّ بصنع ناعورة جديدة شعر وكأنه يبدأ من الصفر.


 وأكد ظاظا أن الإقبال على اقتناء مجسماته خفّ كثيراً بسبب ظروف الحرب، بينما كان الإقبال عليها في الماضي كبيراً، وكان–كما يؤكد– يضطر للعمل ليلاً ونهاراً لتلبية طلبات زبائنه داخل وخارج سوريا، وكانت منتجاته تصدر إلى الأردن والسعودية ولبنان.


ترك تعليق

التعليق