قصة "اللزاقيات" في حوران


تعد اللزاقيات واحدة من أهم الحلويات الشعبية المنزلية في حوران. وبغض النظر عن الظروف الاقتصادية والأوضاع المادية التي يعيشها سكان الجنوب السوري، تبقى اللزاقيات الحلوى الشعبية التراثية المشهورة، هي  الأبرز بين الحلويات في الأعياد والمناسبات.

ويشير الباحث في التراث، "أبو محمد الدرعاوي"، إلى أن اللزاقيات تعد من أهم الحلويات الشعبية التي يتم إعدادها في منازل أهل درعا بشكل خاص، وفي مناطق الجنوب السوري بشكل عام، بسبب توفر مكوناتها البسيطة في كل منزل تقريباً.

ولفت إلى أن هذه الأكلة الشعبية الاقتصادية  كانت عبر تاريخها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعمل في الأرض، والتعب والجهد، إذ تمد الجسم بالطاقة اللازمة وتعطيه كفايته من السكريات والدهون التي يحتاجها في ظل ندرة الأنواع الأخرى من الحلويات سابقاً.

وقال إن "هذه الأكلة الشعبية هي أكلة الفقراء والأغنياء، على حد سواء، يحبها الجميع للذة مذاقها، وخاصة إذا كانت مخبوزة  بالطريقة التقليدية على الحطب حيث تكتسب مذاقاً مختلفاً"، لافتاً إلى أنه بالإمكان تقديمها بديلاً عن أفضل أنواع الحلوى. 

وأضاف أن "الأهالي يلجؤون لصناعتها عادة في الأعياد والمناسبات الكبيرة، التي يتعذر معها شراء حلويات من السوق، إضافة إلى أنها توزع في أحيان كثيرة على أرواح الموتى والشهداء في ذكرى موتهم"، مشيراً إلى أن اللزاقيات ليست مرتبطة بالمناسبات السعيدة فحسب، بل وبالمناسبات الحزينة أيضاً، إضافة إلى أنها كانت تقدم في نهاية مواسم الحصاد، وجمع المحاصيل الزراعية والانتهاء من الأعمال الزراعية.

وأشار إلى أن "الكثير من الأسر تتناولها في فصل الشتاء البارد، وخاصة في الأرياف، وذلك لمد الجسم بالطاقة والدفء"، مشيراً إلى أن الظروف الاقتصادية والحالة المادية، تلعب دوراً كبيراً أيضاً في الاعتماد على الحلويات المنزلية والقيام بصناعتها.

وتقول الحاج حميدة العبدالله، وهي سيدة ستينية، إنها لا تحب تناول أي نوع من الحلويات المصنعة في السوق، لأنها تجهل من صنعها والمواد التي تدخل في تركيبها، لافتة إلى أنها وأسرتها عندما تشعر بالحاجة إلى السكريات، تصنع اللزاقيات أو بعض الحلويات المنزلية التي تتقنها كالهريسة والعوامة والبسبوسة. لكنها تفضل اللزاقيات دائماً.

وأشارت إلى أن اللزاقيات هي من أهم ما تقدمه لضيوفها وزوارها، لأنها ضيافة معتبرة، وفيها جهد واضح، إضافة إلى أنها اقتصادية، بالمقارنة مع شراء حلويات أو ضيافة من السوق.

وقالت إن سعر أرخص أنواع الحلوى لا يقل الآن عن 1500 ليرة سورية للكيلو غرام الواحد، وهو لا يكفي لأفراد الأسرة، "لكن بهذا المبلغ أستطيع تحضير كمية كبيرة من اللزاقيات، التي تشكل بديلاً جيداً ورخيصاً وكافياً".

فيما قالت الحاجة صبحة العبدو، 55 عاماً، إنها تصنع اللزاقيات في معظم المناسبات، سواء كانت حلويات السوق موجودة في المنزل أو غير موجودة، مشيرة إلى أنها ترى في اللزاقيات ضيافة لذيذة، ويقبل عليها الصغار والكبار، أكثر من حلويات السوق، فصناعتها سهلة جداً، ولا تحتاج إلى جهد كبير.

وأضافت أن اللزاقيات كانت أفضل ما تقدمه لأفراد أسرتها عندما كانوا يأتون لزيارتها مع أولادهم وزوجاتهم. لكنها الآن تصنعها بغصة، لمن تبقى من أسرتها، بعد أن فرقت الحرب شمل أبنائها وبناتها، وأبعدتهم إلى دول الغربة واللجوء.

وبيّنت، "أم سامر"، 42 عاماً، وهي خريجة فنون نسوية، أن "اللزاقيات شهدت تطوراً كبيراً سواء في طريقة تحضيرها أو في إضافة المواد والمنكهات إليها"، مشيرة إلى أن اللزاقيات تتكون من الطحين والماء والملح والسكر والزيت أو السمن العربي، بشكل أساسي.

وحول خطوات صنع اللزاقيات، قالت أم سامر: "نقوم أولاً بخلط الطحين مع الماء، ثم نضيف إليها قليلاً من الملح، وبعد أن نحصل على عجينة متماسكة، نبدأ بإضافة الماء إلى العجين لنحصل على قوام سائل ورخو للعجينة، ثم نضع القوام في إناء، ونبدأ بصبه على /الصاج/ الساخن بعد إشعال الحطب تحته بشكل دائري لنحصل على رغيف مشوي رقيق جداً، ونعيد الكرة حتى نحصل على الكمية اللازمة من الخبز الرقيق غير الخامر".

وقالت بعد ذلك:"نضع أرغفة الخبز فوق بعضها البعض في صينية واسعة بعد دهنها بالزيت والسكر أو بالحلاوة، ونصب فوقها إما سمن عربي أو زيت زيتون، ثم نقوم بتقطيعها على شكل مربعات، ونوزعها بأطباق صغيرة ونقدمها للضيوف. 

وأشارت إلى أن تحضيرها في السابق كان يتم على الصاج، ويضاف إليها فقط السكر والسمن العربي، لكن صناعتها لاحقاً تطورت وأصبحت تخبز على أفران الغاز والأفران الكهربائية، وبدل السكر والسمن العربي أصبح يضاف إليها الحلاوة والقطر والحليب وجوز الهند وبعض المكسرات، وذلك حسب الأذواق والوضع المادي لمن يقوم بصناعتها.

وقالت إن أكثر من كان يقبل على اللزاقيات ويطلبها، هم الضيوف القادمون من المدن الكبيرة إلى الريف، حيث كانت تقدم لهم كحلوى عقب تقديم المنسف الحوراني الشهير.

ترك تعليق

التعليق