اقتصاديات.. شحادو "الشانزليزيه" في باريس، باسم السوريين


غبت عن باريس ثلاث سنوات، لأعود وأجد في أهم شوارعها وهو "الشانزليزيه"، وقد انتشرت على طوله عائلات تجلس بكامل أفرادها ويحملون كرتونة مكتوب عليها بالفرنسية والعربية، نحن عائلة سورية ونحتاج للمساعدة.. أو ليس لدينا مسكن.. لكنهم يشحدون ويستعطون المارة باللغة العربية، أو بصورة أدق بلهجة قريبة من السورية..

قيل لي، إن هذه الظاهرة انتشرت منذ أكثر من عامين، وقد حاول الكثير من السوريين الغيورين، محاورتهم وتقديم المساعدة لهم، إلا أنه أبداً لم يكن بالإمكان التفاهم معهم أو منعهم، بل اتضح فيما بعد أن مهنتهم هي الشحادة وقد استغلوا المصيبة السورية للشحادة باسمها، وقد تجدهم في المستقبل يشحدون باسم قضية أخرى، لكنهم بشكل قاطع ليسوا سوريين..

اقتربت من أحد هذه العائلات والتي يقدر عددها بعشرة، في شارع الشانزليزيه لوحده، وقد حذرني البعض أن لا أفعلها، لأنهم عندما سيعلمون أنني سوري سوف يتعاملون معي بعدوانية وقد يؤذونني، لأنهم يعلمون أنهم يسيئون لي ويتوقعون مسبقاً ماذا أريد منهم.. وهو بالفعل ما حدث، فقد هب في وجهي الجميع عندما علموا أنني سوري، الرجل والزوجة والأطفال.. وطلبوا مني وبشراسة أن أبتعد عن طريق رزقهم إذا كنت لا أريد أن أعطيهم شيئاً..

من خلال مروري المتكرر في شارع الشانزليزيه وطوال النهار، اكتشفت أن جميع العائلات يعرفون بعضهم البعض، وكأنهم يعملون سوية، ويجمعون الغلة نهاية اليوم ويتقاسمونها جميعاً.. لكن الاكتشاف الأهم أنهم كانوا يتحدثون فيما بينهم بلغة غير عربية.. قد تكون غجرية..

لكن مهما يكن فإنهم يسيئون للسوريين، وأقرب الظن أنهم غجر سبق لهم وأن عاشوا في سوريا، لهذا هم متمكنون من اللهجة السورية، بينما المارة لن يعرفوا هذه المعلومات، وسوف يعتقدون أنهم سوريون..

لذلك أعتقد أن محاولة منعهم من الشحادة باسم السوريين، عبث لا طائل منه، لكن هذا لا يعني الاستسلام للأمر الواقع.. هناك الكثير من الطرق لتوضيح هوية هؤلاء للرأي العام، وعلى رأسها وسائل الإعلام الأجنبية والعربية كذلك.. يجب أن تتجه جهود البعض من المقيمين في أوروبا، وفي فرنسا تحديداً، وممن يتقنون لغتها، أن يتوجهوا لوسائل الإعلام ويشرحون لهم هذا الأمر، وأن تتناول هذه الوسائل الموضوع وتوضحه لجمهورها.. لأن الأمر بحسب ما روى لي البعض، غير متوقف عند الشحادة فقط، بل هناك حالات سرقة أصبحت تنفذ باسم السوريين، وعلى الأغلب يقوم بها هؤلاء، ولا نستغرب أن يتطور الأمر لجرائم أكبر.. فمن قرر أن يقف في الشارع مع كامل أسرته ويستعطي المارة، هو شخص لا يستحي، وليس عنده ضوابط أخلاقية لفعل أي شيء في سبيل الحصول على المال..

لذلك لا بد من التحرك قبل أن تحصل المزيد من الخسائر للسوريين، الذين ما عادوا يعرفون كيف يتلقون المصائب..

ترك تعليق

التعليق