في دمشق.. ما عادت الألبسة المستعملة مصدر إحراج اجتماعي


يمر العيد الرابع عشر على سكان العاصمة دمشق منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، فما هو حال المواطن السوري البسيط ذي الدخل المحدود في هذا العيد؟
    
شراء الألبسة الجديدة إحدى وسائل التعبير عن بهجة العيد، وهي التي فقدها مُعظم سكان العاصمة بسبب انخفاض سعر الليرة السورية وضعف القدرة الشرائية، وغياب كُلّي لسوق العمل، وتضاعف أسعار الألبسة عشرات المرات. الأمر الذي دفعهم لإيجاد البديل واللجوء لأسواق بيع الألبسة المستعملة بغض النظر عن مصدرها، سعياً منهم لتأمين ألبسة العيد بأرخص الأسعار، وعدم تغييب الفرحة عن قلوب أطفالهم.

من 5 آلاف ليرة سورية إلى 8 آلاف ليرة، يبلغ سعر بنطلون الجينز "الولادي" في الأسواق الشعبية، ويبلغ في أدنى سعر له في "المولات" والوكالات المُرخصة عالمياً والتي يرتادها أبناء الطبقة البرجوازية فقط، 20 ألف ليرة أي ما يُعادل 40 دولاراً، في حين يبلغ راتب الموظف الحكومي درجة أولى، 100 دولار أمريكي فقط لا غير، أي ثُلث الرقم الذي تحتاجه الأسرة السورية شهرياً بحسب دراسة أعدتها صحيفة الوطن الموالية لنظام الأسد، في الربع الأول من العام الماضي.
   
أسواق بيع الألبسة المُستعملة في العاصمة تكتظ بالزبائن بشكل كبير في مواسم الأعياد، وهي بديل حقيقي ومقبول عن الألبسة الجديدة التي لا طاقة للعائلات بشرائها، بحسب ما قالت لـ "اقتصاد"، (ه، ظ)، أم لثلاثة أطفال، وتُقيم في منطقة الشيخ سعد.

وتُضيف (ه، ظ) أنّ سوق الألبسة المُستعملة توفر المال في جيوب العائلات، ومنها تستطيع أن تشتري لكامل أفراد أسرتها بمبلغ لا يتجاوز 50 دولاراً، في حين إن رغبت بالشراء من محلات الألبسة الجديدة المُتعارف عليها في الأسواق لتكبدت أكثر من 300 دولار، فضلاً عن أنها ترى توفير مُستلزمات الحياة الضرورية، أولى لها.

وأصبح بيع الألبسة المستعملة سمة من سمات أسواق العاصمة دمشق, وبات لا يخلو سوق وشارع من وجود عدد من المحلات المُختصة ببيعها، كما أنّ الحرب لعبت دوراً كبيراً في ازدهار سوقها بشكل ملحوظ.

بين 400 و600 دولار أمريكي متوسط دخل الأسرة السورية قبل عام 2011، بحسب بيانات رسمية، وفي عام 2017، وبعد سبعة أعوام من حرب دامية ومستمرة لا يتجاوز متوسط دخل العائلة الواحدة 150 دولاراً، في حال كان الزوج والزوجة يتشاركان العمل.

ليس الفقراء الذين كبل العوز أيديهم وحدهم من يقصدون أسواق بيع الألبسة المُستعملة، إنما باتت مقصداً للعائلات الميسورة أيضاً بحسب ما قالت لـ "اقتصاد" السيدة (ف، د) من سكان حي الزهور.

وتُشير السيدة إلى أنّ أسواق بيع الألبسة المُستعملة تحوي كل ما تحتاجه الأسرة من لباس، بدءاً بالملابس المدرسية مروراً بملابس الأفراح وصولاً إلى الملابس الداخلية والأحذية وتجهيزات الأشخاص المُقبلين على الزواج ذكوراً كانوا أو إناثاً.

وبحسب (ف، د)، فإنّ العائلات في دمشق تلجأ لأسواق بيع المستعمل في بداية فصلي الشتاء والصيف ومواسم الأعياد وبداية العام الدراسي، وللمُهجرين في العاصمة نصيبٌ كبير منها كونهم فاقدين لكل مُقتنياتهم الشخصية التي تركوها خلفهم أثناء رحلة نزوحهم الداخلي.

وهذا ما أكّده لـ "اقتصاد" السيد (ج، ر)، صاحب إحدى متاجر بيع الألبسة المُستعملة، عبر قوله، "كُل شرائح المجتمع تتردد على متاجر بيع الألبسة المُستعملة، ولكن أكثرهم من أصحاب الطبقة الوسطى التي باتت نادرة في المجتمع".

يشكّل تدني جودة البضائع المُصنعة محلياً، والارتفاع الكبير في سعر البضائع المُستوردة، أهم أسباب إقبال الناس على أسواق الألبسة المُستعملة الكبيرة في منطقتي "الاطفائية والشيخ سعد"، وسط دمشق، بحسب ما أردف (ج، ر).

وتماشياً مع ظروف الحرب وقلة العمل، وصرف ما يتم تأمينه من مال على توفير مُستلزمات الحياة الأساسية وأجور المنازل، وأمام ارتفاع سعر الألبسة نتيجةً لارتفاع سعر الدولار وعدم خفض أسعارها أثناء نزول سعر الدولار، لم يعد شراء الألبسة المُستعملة يُسبب إحراجاً للمجتمع السوري بكل فئاته من الرجال والسيدات والأطفال، لتُلقي أسواق الألبسة المُستعملة بظلالها كمنافس رئيسي لا يُمكن استثنائه مقابل محلات بيع الألبسة الجديدة ذات التصنيع المحلي أو المستورد.

وهناك فرق بين الألبسة المستعملة المنتشرة حالياً في دمشق، وبين "البالة"، التي هي ألبسة مستعملة من مصدر أوروبي، واستيرادها متوقف، ولو توافرت في دمشق، فإن أسعارها تفوق الـ 100 دولار للقطعة. فيما الألبسة المستعملة الرائجة حالياً، في معظمها، من مصادر محلية.

ترك تعليق

التعليق