غش المياه المعدنية في دمشق وريفها.. كيف يتم؟، وأين يتركز؟


تشهد العاصمة دمشق ارتفاعاً كبيراً في أسعار المياه المعدنية مع اختلاف "ماركاتها"، وتعوم في ريفها حالات غش المياه المعدنية واستبدالها بمياه الآبار، لا سيما في مناطق سيطرة المُعارضة المُهادنة أو المُصالحة بموجب الظروف الواقعة.

سبعة أعوام من الحرب الدائرة والفوضى العارمة كفيلةٌ بجعل تجار الحرب مُبدعين في صناعة المُنتجات المُزورة وتسويقها بكل سهولة في الأسواق الشعبية، وهم محترفون في اختيار المُنتج المُناسب في الوقت المُناسب.

ويشكل فقدان الكهرباء المُساعدة على تشغيل ثلاجات التبريد والحافظات المُبردة كهربائياً، أهم أسباب إقبال الناس على شراء المياه المعدنية المُبردة، وكثرة الطلب عليها يجعلها هدفاً لتجار الأزمات، من خلاله يسحبون الأموال من جيوب المواطنين التواقين للشعور بالانتعاش بالمياه الصحية الباردة، بحسب ما قالته لـ "اقتصاد" السيدة (ب ، س) من سكان حي التجارة بدمشق.

وأشارت السيدة أنّ انعدام تسويق عبوات المياه المعدنية المُعبأة بمياه الآبار "المغشوشة" في العاصمة، لا يعني أن المُستهلك غير مُتضرر، لأنّ ارتفاع السعر غير المُبرر يُعوض ذلك.

جهاز التموين والرقابة في "نظام الأسد" يُعلن بين الآونة والأخرى عن ضبط عمليات كبيرة لغش المياه المعدنية، وأغلق أكثر من منشأة تُستخدم لتحضير مُنتجات مُزورة، لكنه لم يستطيع مُكافحة هذه الظاهرة بسبب انتشار الفساد والفاسدين بين الأجهزة الرقابية "الحكومية".

السيد (م ، ع) من سكان بلدة جرمانا قال لـ "اقتصاد"، "تجار السوق السوداء يقومون بتصنيع وشراء عبوات فارغة ويُعيدون تعبئتها بمياه الآبار غير الصالحة للشرب أو المُفلترة، ومن ثُمّ ختم أغطيتها بطرق احترافية ليس من السهولة كشفها، كما أنّهم يُلصقون على العبوات ماركات معروفة في الأسواق وبتاريخ حديث، بحيث يكون الزبون بائعاً أو مُستهلكاً، فريسةً سهلةً لهم".
   
وأضاف أنّ بلدة جرمانا وحي الدويلعة في دمشق أهم مناطق غش المياه المعدنية بسبب حماية تجار الحرب من جانب الميليشيات الأمنية الموجودة هناك، لقاء حصولهم على مبالغ مالية مقابل التغطية، وغالباً ما يتم تسويق المياه المعدنية المُزورة في أرياف دمشق التي خضعت مؤخراً لمصالحات مع "نظام الأسد" مثل "قدسيا والهامة والكسوة" لسبب غياب الأجهزة الرقابية "الحكومية" عنها حتى الآن، وتسهيل مرورها عبر الحواجز من المعنيين في الأجهزة الأمنية.

تُباع المياه المعدنية في الأسواق بأسعار مُضاعفة، وبحسب ما أعلنه "ناصيف الأسعد" المُدير العام للمؤسسة العامة للصناعات الغذائية التابعة لحكومة النظام، في تصريحات لمواقع صحفية مؤيدة، فإنّ سعر الجعبة الواحدة المؤلفة من ستة عبوات ذات "الليتر والنصف" تبلغ 700 ليرة سورية فقط لا غير، نافياً أي تغيير في الأسعار. وما زالت لليوم تُباع العبوة الواحدة ذات الحجم المذكور بدءاً بـ 200 ليرة إلى 250 ليرة سورية، أي بمعدل يقارب الضعف، وتحت ذريعة التبريد التي ما عادت تُقنع المواطن.

وأكد السيد (ن ، ق)، بائع مواد غذائية في بلدة قدسيا بريف دمشق والتي أبرمت اتفاق مُصالحة مع نظام الأسد في أواخر عام 2016، في تصريح لـ "اقتصاد"، أنّ المناخ الإداري في ريف دمشق يُساهم في سهولة انتشار أيّة مادة "مُزورة" والموسم في هذه الأيام يدور حول المياه المعدنية، والكميات القليلة المُوزعة في الأسواق، واحتكارها من ضعاف النفوس وحيتان السوق تسببت في زيادة الطلب عليها ليستثمرها الفاسدون بفتح سوق سوداء تعود عليهم بمبالغ مالية طائلة.

وأشار أنّ ضبط عبوات مياه معدنية "مغشوشة" في قدسيا وغيرها من ريف دمشق لا يُقدم ولا يؤخر، فلا جهات رقابية تُحاسب البائع، والناس لم تعد تهتم للأمر، فتشتري المياه المعدنية وتعتمد على حظها، إمّا أن تكون "مزورة" أو تكون أصلية.

من موسمٍ إلى آخر، ومن مادة إلى أخرى، ينتقل مسلسل الغش، والمياه المعدنية المغشوشة ليست إلّا واحدة من السلع الموسمية التي تُغش بدافع الربح غير المشروع من جيب المواطن الفارغ أصلاً من أية أموال بسبب الفقر والبطالة وضعف رواتب الموظفين، بالإضافة إلى شجع التجار الذين يقتاتون على مأساة السوري المنكوب، والذين يستثمرون فوضى الإدارة في دمشق وريفها، لينفوا بأفعالهم الفاسدة كل ما يُعلنه "نظام الأسد" عن استمرار ممارسة مؤسساته لدورها الحقيقي الذي يحفظ حق المواطن.

ترك تعليق

التعليق