معلومات تُروى لأول مرة.. عن النشاط المالي لمفتي النظام، أحمد حسون


تشير الروايات الكثيرة التي وقعنا عليها، من أشخاص مقربين من المفتي، أحمد حسون، أنه ينتمي بالأساس إلى عائلة فقيرة، شأنه شأن كل رجال الدين في حلب القادمين من الأرياف، بعكس رجال الدين أبناء حلب المدينة، والذين ينتمي أغلبهم لعائلات من الطبقات الوسطى.. إلا أن حسون لم يعش الفقر لفترة طويلة، إذ سرعان ما شهدت حياته نهضة مالية، وذلك في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، مستفيداً من سمعة والده العلامة الشيخ، محمد أديب حسون..

ومما يرويه هؤلاء المقربون، أن والد حسون كان رجلاً زاهداً، ولم يسع للثروة في حياته، غير أنه كان له علاقات مع كبار تجار حلب، وكان يحظى باحترام الجميع.. فكيف استطاع حسون الابن تجيير علاقات والده الكبيرة لصالحه..؟، وكيف استطاع توظيفها حتى غدا اليوم من الأثرياء في مدينته..؟، وهل أن السلطة هي سبب غناه، أم أنه عرف النعمة قبلها بكثير..؟

تفتح وعي أحمد حسون الذي ولد في عام 1957، في بيت والده العالم الجليل، الذي كانت الناس تقصده من كل أصقاع حلب، للاستماع لحديثه وهديه، وكان حسون الوالد قد تربع في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي على عرش رجال الدين، وكان يتم تداول خطبه وأحاديثه على أشرطة الكاسيت، بينما يحضرها في المساجد الآلاف..

ومن المعروف عن حلب، أنها تتميز عن غيرها من المدن السورية، أن تجارها كانوا يستخدمون رجال الدين ويغدقون عليهم، كنوع من الدعاية لأعمالهم التجارية.. فكانوا يتسابقون بمناسبة وغير مناسبة، لدعوتهم وإقامة الحفلات لهم، طمعاً في أن يكون ذلك عاملاً في تعزيز مكانتهم في الأسواق، ومن جهة ثانية، كان بعضهم يستخدم ذلك، لتبييض أمواله، وخصوصاً من محدثي النعمة والذين كانت تثار حولهم إشاعات، أنهم جنوا ثرواتهم من تجارة الحشيش والمخدرات..

وكان الشيخ محمد أديب حسون، أحد أولئك الرجال الذي يتسابق التجار وعلية القوم في حلب للتقرب منهم، إلا أن زهده كان يمنعه من الاستفادة منهم، الأمر الذي تنبه له الابن أحمد حسون.. ولم يشأ أن يفوت الفرصة دون الاستفادة منها..

البداية كانت من تجارة السيارات المستعملة، مطلع الثمانينات من القرن الماضي، والتي كانت تدر في ذلك الوقت أرباحاً طائلة، حيث كان يقصد والده أحد هؤلاء التجارة في منطقة "الفيض"، وسط مدينة حلب، فطلب منه الابن أحمد، الذي كان قد جمع مبلغاً بسيطاً من المال، أن يستثمره في العمل معه، بينما كان على ثقة أن أرباحه سوف تكون مضمونة وكبيرة، لأنه سبق لهذا التاجر أن عرض المساعدة على والده، وكان يرفض على الدوام..

وسرعان ما تضاعف المبلغ الضئيل بين يدي الابن أحمد حسون، مرات كثيرة، إلى أن أصبح لديه مبلغاً محترماً، يؤهله للدخول في تجارة تدر عليه أرباحاً أكثر.. وما كانت هذه التجارة سوى تجارة الخيوط والأقمشة، التي تشتهر بها مدينة حلب.. لذلك كانت النقلة النوعية الثانية في حياته الاقتصادية، هي من خلال العمل مع أحد أكثر التجار قُرباً لوالده، وهو محمد قدسي، تاجر الخيوط الشهير في حلب في ذلك الوقت..

وفي هذه الأثناء، بدأ نجم أحمد حسون، يظهر شيئاً فشيئاً، كرجل دين ومحدث لا يقل أهمية وقيمة عن والده، الذي أصبح طاعناً في السن، ولم يعد قادراً على القيام بأعباء الدعوة والهداية كما السابق، وتلبية الدعوات الكثيرة التي كانت توجه له.. فما كان منه إلا أن أخذ يدفع بابنه الشاب أحمد عوضاً عنه.. وتمكن الابن من لفت الأنظار، منذ اللحظات الأولى، بفضل ما كان يمتلكه من فن الخطابة والصوت الجهوري.. وحتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، كان أحمد حسون قد بسط سلطانه على جميع رجال الدين في حلب، لدرجة أنه أصبح كنجوم السينما والتلفزيون، لا يمكن أن يخرج إلى الشارع ويمشي بين الناس..

غير أن تطور أحمد حسون على مستوى العمل الديني كان يرافقه على الدوام تطور آخر خفي على المستوى التجاري والاقتصادي، ولكن بعد الشهرة أصبح أكثر حذراً، فالغلط ممنوع وقد يكلف خسارة كل شيء.. الشيء الآخر الذي حدث مع حسون، أن السلطة تنبهت له ولسمعته وموقعه، وحاولت الاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن.. لذلك كان أحمد حسون أول رجل دين يرشح نفسه لانتخابات مجلس الشعب مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ويحوز على أعلى نسبة أصوات في تاريخ المجلس عن مدينة حلب..

مع الدخول لمجلس الشعب بدأت آثار النعمة والغنى تظهر على أحمد حسون، إذ اشترى في عام 1990، شقتين في حي الفرقان الراقي بحلب، بالقرب من جامعة حلب، بثمن لا يقل عن 20 مليون ليرة سورية للشقتين.. وهو ثمن مخفض قياساً للأسعار في ذلك الحي، لكنه حصل عليه بفضل علاقاته وموقعه من السلطة هذه المرة.. بالإضافة إلى أنه كان يمتلك مجموعة من السيارات الشخصية الفارهة، لا يقل ثمنها عن عشرة ملايين ليرة سورية، وعدا عن ذلك، اشترى في ذلك العام مزرعة في منطقة الزربة بالقرب من حلب، ولهذه المزرعة قصة سوف نأتي على روايتها.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: من أين جاء أحمد حسون بكل هذه الملايين، وهو الذي بدأ نشاطه التجاري مطلع الثمانينيات ببضعة آلاف من الليرات..؟!

بحسب روايات الشهود والمقربين منه، وأغلبهم رجال دين، وطلبوا عدم التطرق إلى أسمائهم.. فإن المرحلة الأهم في حياة حسون والتي أدرت عليه أرباحاً كبيرة، كانت علاقته بالسلطة وأجهزة المخابرات، والتي حاولت استثماره في أعقاب أحداث الأخوان المسلمين في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وهي الفترة التي خبا فيها نجم جميع رجال الدين في حلب، باستثناء أحمد حسون ووالده.. وتجلت الفائدة بالدرجة الأولى من خلال تجارة أراضي الجمعيات السكنية، التي كان يحصل حسون الابن على تراخيص لها بالشراكة مع آخرين، ثم يقوم ببيعها بأثمان باهظة.. أيضاً، المصدر الآخر الذي ساهم في تنمية ثروة حسون، وهي قصة شهيرة وتم تداولها على نطاق إعلامي واسع، هي حصوله على رخصة معمل أدوية، حيث باعها بعشرات ملايين الليرات..

أما قصة المزرعة في منطقة الزربة في ريف حلب، فهي تعود بالأساس لأحد رجال الأعمال والتجار الحلبيين.. وقد طلبها منه أحمد حسون، بحجة استخدامها في الدروس الدينية، بسبب بعدها عن المدينة من جهة، وبسبب أنها تستوعب عدداً كبيراً من طلاب العلم.. ثم بعد فترة طلب شرائها من صاحبها، بمبلغ لا يتجاوز المليون ليرة سورية، بينما هي كانت تساوي أكثر من هذا المبلغ بكثير، إلا أن صاحبها اعتقد أنه ببيعها بسعر منخفض إنما يخدم القضية الدينية والدعوية في حلب.. لكن سرعان ما أوقف حسون الدروس الدينية في تلك المزرعة، بحجة الظروف الأمنية، وحولها إلى مزرعة خاصة، مع إجراء تحسينات عليها، وأصبح ثمنها يساوي عشرات ملايين الليرات في ذلك الوقت..

خاتمة

ندرك أن هذا ليس إلا جزءاً بسيطاً، مما استطعنا الحصول عليه عن نشاط المفتي أحمد حسون، المالي والتجاري، وقد لفت انتباهنا، وبينما كنا نطلب المعلومات ممن عرفوه وعايشوه في مدينة حلب خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، أن هناك تضارباً كبيراً في المعلومات فيما يخص البدايات الأولى للنشاط التجاري لـ حسون.. لكننا في النهاية وقعنا على هذا التقاطع في المعلومات، ومن أكثر من مصدر، وهو ما ذكرناه في متن المقال.. بينما من جهة ثانية، حدثنا البعض عن صفقات مالية مشبوهة وتجارة حشيش ومخدرات.. وهي معلومات لم نشأ أن نكتبها، بسبب صعوبة التأكد منها..

ترك تعليق

التعليق