سيارات جسر الشغور القديمة.. طرازات نادرة تعكس تاريخ المدينة وتبدلاتها الاقتصادية


في أزقة مدينة جسر الشغور وزواريبها القديمة، تنتشر العديد من السيارات القديمة التي عفا عليها الزمن، وتحولت إلى ما يشبه الأنتيكا وإن كان بعضها لا زال قيد الإستخدام رغم مرور عشرات السنين على اقتنائها من قبل ملّاكها، ولكنها لم تسلم من آثار الحرب التي خلّفت في جسومها ثقوباً وأضراراً بالغة واستُخدم بعضها من قبل قوات النظام كدروع لها على الحواجز ونقاط التماس.

 وتعطي هذه السيارات، وهي من طرازات نادرة، صورة تاريخية عما كانت عليه أحوال النقل والتبدلات الإجتماعية والإقتصادية التي شهدتها المدينة الواقعة في ريف إدلب، خلال قرن أو أكثر من الزمن.


"هالسيارة مش عم تمشي بدها حدا يدفشها دفشة"، كأن فيروز كانت تغني لإحدى سيارات جسر الشغور التي التقط لها أحد الناشطين صورة داخل كراج عاصي وسط المدينة، وبدت مغطاة بالغبار وبحاجة لمن "يدفشها أكثر من دفشة" في ظل الأحوال الجامدة وأوضاع الناس المتعسرة في المدينة التي مضى على تحريرها من يد النظام أكثر من عامين.


 وأشار ملتقط الصورة، الناشط "هادي خراط"، في تصريح لـ"اقتصاد"، إلى أن السيارة وهي من نوع "البويك" كانت مقتناة للراحل "عزت الملوحي" أحد وجهاء المدينة وهي من موديل عام 1936 وكانت تعمل على الخط الغربي لريف جسر الشغور جورين / الغاب.


وبدوره، روى "عبد السلام المصري"، وهو خبير ميكانيك سيارات في جسر الشغور، لـ"اقتصاد"، جوانب من تاريخ السيارات القديمة في المدينة، ومنها-كما يقول- سيارة موديل 1913 كان أهل الجسر يطلقون عليها اسم "طانك" وهي تشبه سيارة ستروين التي تمتاز بخلفيتها الضخمة وواجهتها الرفيعة.

 وكشف محدثنا أن والده المولود عام 1914 كان في شبابه يذهب للعمل في الغاب بواسطة سيارات مملوكة لـ"أحمد سيجري" و"ناجي العبسي"، حيث كانت هناك عدة سيارات تعمل على خط جسر الشغور الغاب.

 وبعد ذلك –كما يقول محدثنا-جاءت سيارات "التوزطو" والشيفروليه وهي سيارات أمريكية من موديل الثلاثينات.


 ومن السيارات التي اشتهرت في الجسر بدايات القرن العشرين سيارة "البويك" التي تعمل على المازوت وسُمح لمالكيها في الخمسينات بحسب المصري، بتركيب موتورات "فيركسون ميجر"، ويمتاز هذا النوع من السيارات بغياراتها الثلاث وبوزنها الثقيل الذي يبلغ 3 طن، وتم تحويلها لاحقاً إلى المازوت لأن البنزين كان غالي الثمن آنذاك.

المصري لفت إلى أن هناك سيارات قديمة من نوع "فونت ياد" لا زالت قيد العمل في جسر الشغور وإحداها مملوكة لعبد المحسن حابو، وهي موجودة في قرية اليعقوبية التابعة لجسر الشغور، وتعرضت السيارة التي تحمل موتوراً من نوع فيركسون لثلاث صواريخ منذ فترة ولكنها بقيت صامدة وقام مالكها بتصويجها وتأهيلها من جديد.

 وهناك سيارة من نوع "ستروين"، تمتاز بمقدمتها الرفيعة ولونها الخمري لا زالت تعمل حتى الآن، ويملكها "أبو ممتاز باكر جان".


 وكانت هناك سيارة موديل "طانك" كما يسميها الجسريون، تتسع لـ 12 راكباً، وسيارتين تكاسي إحداها تتسع لخمسة ركاب والثانية 8 ركاب، وكلها من موديلات 1913 وما بعد.

 وبدأ الأهالي بعد ذلك باقتناء السيارات بدافع الغيرة وأحياناً كان أكثر من شخص يتشاركون لشراء سيارة. وبلغ ثمن سيارة التكسي آنذاك حوالي الـ 120 ذهبية بعملة ذلك الزمان.

وأكد المصري أن الجسر كانت تضم عام 1920 حوالي 4 سيارات من موديلات مختلفة ومن بينها بوسطة لمالكها "أحمد جميل سيجري" كانت تحمل 20 راكباً وتعمل على خط جسر الشغور -حلب دمشق عن طريق تفتناز، لافتاً إلى أن طريق أريحا حلب لم يكن قد أنشىء بعد، وكان أغلب الطريق ترابياً إلى أن تصل السيارات إلى طريق حلب دمشق.


 وفي الخمسينات أصبح هناك عدد لا بأس به من سيارات الشحن والتكاسي في جسر الشغور، ومنها حوالي 20 سيارة شحن كبيرة مملوكة لشخص يدعى "رضا أميليش أبو عبد الله" كانت تنقل البطيخ من الجزيرة إلى بيروت.

ولم تخلو المدينة من سيارات "فورد أبو دعسة" المشهورة في بداية القرن الماضي وكان أهل الجسر يطلقون عليها اسم "فورط " ويصفونها بالبغل لقوتها ومتانتها.

في الستينات –كما يقول المصري- دخلت سيارات المرسيدس بأنواعها "المدعبل" أو "البوز" وبلغ ثمنها آنذاك 1200 ليرة سورية، وفي سنة 1961 دخلت سيارات الشحن المارسيدس التي لم يتجاوز ثمنها آنذاك الـ 13 ألف ليرة، و يروي المصري على سبيل الدعابة أن أحد تجار السيارات عرض على شقيقه شراء سيارتين منهما وتشغيلهما في نقل البضائع ولكن والده رفض ذلك، وكان يقول له "كل شي بيمرق الهوا من تحتو ما بيلزمنا" إذ كان يخاف من حصول مكروه من حوادث جرّاء حوادث السير والانقلاب وسواه.


وعزا محدثنا كثرة السيارات وتنوعها في فترات مبكرة نسبياً إلى كون جسر الشغور بلداً زراعياً، ونظراً لحاجة الناس إلى التنقل وتحميل البضائع أو المحاصيل الزراعية، مشيراً إلى أن أهل الجسر المزارعين كانوا يوردون محاصيلهم من الخضار والفواكه وبخاصة البطيخ بأنواعه وكذلك السمك الذي يتم اصطياده من نهر العاصي إلى بيروت، ولذلك كانت السيارات ضرورة ملحة لهم وبخاصة المزارعين منهم علاوة على أن هذه السيارات كانت تضفي على مالكها مظهراً من الثراء والرخاء وإن كان متصنّعاً بين الناس.

ترك تعليق

التعليق