أسطورة جامع الأموال "شادي".. كيف صنعها النظام؟، وكيف حطّمها؟


منذ بداية الحصار في الريف الشمالي لحمص، عمل النظام على صناعة طبقة جديدة من التجار تنفرد بإدخال السلع الى الريف المحاصر. وقد عمل أيضاً على التخصيص، فلكل تاجر أو مجموعة تجار اختصاصهم، منهم من خصهم بإدخال المحروقات ومنهم بالطحين وآخرين بالمواد الغذائية، وذلك عن طريق شبكة معقدة ومتداخلة فيما بينها، تبدأ بـ "هوامير الريف" وتمّر بمفاتيح المعابر، وتنتهي بأفرع الأمن، ومنها إلى القصر الجمهوري بدمشق.

رغم امتلاك "الهوامير"، وهو مصطلح يطلق على مجموعة من التجار المسيطرين على منافذ الريف، ثروات بأرقام خيالية، إلا أن ثرواتهم رهن صفقات خاسرة أو مصادرة إحدى القوافل من قبل النظام. وعلى الرغم من الأرباح التي يحققونها من التجارة بقوت المحاصرين، فهم معرضون لخسارتها وإعلان إفلاسهم في أي لحظة، فالنظام يشغلهم كما يريد، ثم يأخذ منهم كل شيء.

شادي الشحود، من مدينة الرستن، أحد هوامير الريف، اختفى من ريف حمص الشمالي منذ أقل من أسبوع في ظروف غامضة بسبب وصوله حافة الإفلاس بتراكم دين وصل لـ 425 مليون ليرة سورية قدرتها المحكمة الشرعية بما يزيد عن 800 ألف دولار كلها ديون برقبة شادي.

بداية شادي

عبدالله أبو حسين، من أصدقاء طفولة شادي قال لـ"اقتصاد": "لم يكن شادي من أصحاب الثروات قبل الثورة فقد كان عاملاً عادياً في إحدى ورشات المعمرجية، بالكاد يجني قوت يومه. ومع اندلاع الثورة وتوقفه عن العمل افتتح متجراً صغيراً لبيع المحروقات، وكان المنعطف الأكبر في حياته حينما كسب ثقة أحد أكبر تجار حماه وأكثرهم نفوذاً، عن طريق أحد أقاربه من ناحية الزوجة، وهو القيادي في الدفاع الوطني خيرالله عبدالباري الشيخ علي، المدعوم إيرانياً. وبدأ شادي يبيع المحروقات لصالحه مقابل ربح خيالي لا يحلم به".

وأضاف أبو حسين: "(أحمد الجزار) التاجر الأول على مستوى المحروقات في حماه، وبمساعدة نفوذ أخيه الرائد بالمخابرات الجوية، هو وحده من يحدد لمن تدخل المحروقات في ريف حمص الشمالي. وكان شادي محط ثقة الجزار بضمانة قريبه (خيرالله – القيادي في الدفاع الوطني)، فتمكن من تحقيق ثروة هائلة، واكتسب ثقة الناس. وبدأ الناس يعطونه الأموال مقابل أرباح ممتازة".

أحمد، صاحب متجر صغير لبيع المحروقات، عاصر شادي في بدايته، تحدث لـ"اقتصاد": "كان صاحب دكان عادية ورأس ماله لا يتجاوز الـ 100 ألف ليرة سورية. ولكن خلال أقل من شهر تبدلت أحواله فأصبح هو وحده من يحدد سعر المحروقات في عموم الريف، وتحول لأكبر تجار المنطقة، ولم يعرف من بعدها طعم الخسارة وأصبح محط ثقة الناس، وبدأوا يعطونه أموالهم لتشغيلها فهو المتحكم ببورصة المحروقات بدون منازع".
 
العصر الذهبي

أصبح لاسم شادي الصدى الأقوى على مستوى الريف الشمالي، وتجسد ذلك من خلال أرباحه الكبيرة والتزامه الدقيق بالمواعيد، فتمكن من كسب ثقة الناس، وتمكن من امتلاك أكبر مخزون من المحروقات في الريف الشمالي، فاستطاع ملء 5 كازيات بالمازوت. وخلال أزمات المازوت في مناطق النظام، أصبحت التجارة عكسية، وبدأ شادي ببيع النظام نفسه، المازوت الذي اشتراه منه".

"أبو محمد"، أحد المقربين من شادي، رفض ذكر اسمه الصريح، تحدث لـ"اقتصاد": "في ذروة تجارة شادي استطاع أن يأتي بالمازوت الداعشي بكميات كبيرة من الشمال السوري إلى الريف الشمالي عن طريق حماه، ومن ثم كان يبيعه إلى تجار النظام عن طريق معابر الحولة بأرباح خيالية".

سامر أبو مصطفى، من مدينة الرستن، قال لـ"اقتصاد": "أودعت 6 آلاف دولار مع شادي وأصبح يعطيني مربحاً لم يقل عن 300 دولار بالشهر. ففي الفترة الماضية كان محط ثقة الجميع".

قرار إنهاء أسطورة شادي

يتسابق الهوامير في ريف حمص للسيطرة على معابر الريف، فهي تجني ثروات كبيرة بزمن قياسي، إن رضي عنك النظام.

يقول أبو محمد المقرب من شادي لـ"اقتصاد": "طمِع التجار بتجارة شادي وقرر النظام الخلاص منه، فتآمروا عليه، فصُودرت له 3 صهاريج مازوت لم يستطع إخراجها بقيمة 80 مليون ليرة. وبدأوا ينقلونه من تجارة المحروقات إلى تجارة المواد الغذائية والسلع التجارية، فدخل هذه التجارة لكنه بدأ يهرّب بعض الممنوعات داخل القوافل لتعويض خسائره فصُودرت له قافلة مكونة من 20 سيارة بقيمة 150 مليون ليرة، ولم يتمكن من إخراجها، وتقدم أحد الشبيحة بعرض لإخراجها مقابل 35 مليون ليرة فقبض منه 6 مليون ليرة وثم اختفى".

وقال أبو محمد أيضاً: "تم اتخاذ قرار بإنهاء شادي منذ قرابة 3 شهور، فبدأ هو بالخسارة والنظام بالربح من خلال مصادرة سياراته وعدم إخراجها حتى مقابل أموال يدفعها، لكنه أصر على الاستمرار رغم خسائره الكبيرة محاولاً تعويضها، ولم يكن يعلم أن أمره قد انتهى، فمن خسارة إلى خسارة، حتى حصل ما حصل".

قرار الهروب

بعد الخسائر الفادحة بدأ شادي ببيع أملاكه بشكل قانوني فلم يبقَ أي شيء على ملكيته، وبدأ يأخذ الأموال من الناس أكثر فأكثر.

أـبو حمزة، كان قد أودع أموالاً مع شادي، قال لـ"اقتصاد": "قبل مغادرته بساعات دق أبواب أكثر من شخص من الذين يودعون معه أموالاً. وكان يأخذ منهم أموالاً إضافية ويعدهم أنه سيعيدها خلال ثلاثة أيام. واستطاع في غضون ساعات أن يجمع أكثر من 30 ألف دولار من عدة أشخاص ثم الهروب. وقد طرق بابي أنا أيضاً، لكن لحسن حظي لم يكن يوجد في داخل المنزل أموال، فقلت أني سأعطيه الأموال صباح الغد".

والملفت للنظر أن أغلب من أودعوا أموالاً مع شادي لم يكتبوا أي عقود معه لما اكتسبه من ثقة ودقة في المواعيد بين الناس.

أبو ناصر من سكان مدينة الرستن تحدث لـ"اقتصاد": "لقد أودعت 5 آلاف دولار مع فادي كان يعطيني 250 دولار في الشهر لكنه هرب، وقد كان مصدر ثقة ولم أكتب معه أي ورقة. لكن مهما هرب لابد أن يعود".

توارى شادي عن الأنظار، وقد باع كل أملاكه من سيارات ومحروقات بعقود نظامية، واتجه إلى جهة غير معروفة حتى الآن بحجم دين أكثر من 800 ألف دولار، منها لأشخاص أغنياء ومنها لأيتام ومنها حتى لمنظمات وقادة فصائل. لكن شادي لم يكتب أي ورقة بينه وبين أي شخص منهم على الإطلاق، فهو كان محط ثقة كبيرة في الريف الشمالي.

ترك تعليق

التعليق