اتفاق خفض التصعيد يلهب اقتصاد المعابر في ريف حمص الشمالي


يشهد ريف حمص الشمالي منذ أكثر من أسبوع، ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار السلع الغذائية والمواد التجارية والمحروقات. ارتفاع سبق اتفاق خفض التصعيد الذي دخل حيز التنفيذ، والذي يحمل في طياته فتح معبرين تجاريين بإدارة مشتركة بين المعارضة والنظام والقوات الروسية. ومن المرجح عدم فرض أي مبالغ مالية على البضائع وعدم تحديد كميات المواد التي ستدخل.

لهيب الأسعار في ريف حمص الشمالي يجعل سكانه بين مطرقة النظام وسندان "هوامير" الريف الشمالي. ويطلق السكان المحليون مصطلح "الهوامير" على التجار الكبار الذين لا يتجاوز عددهم الـ 10، وباستطاعتهم شراء المعبر والتحكم بالأسعار.


المعابر الحالية ترفع التسعيرة

قامت المعابر منذ أكثر من 10 أيام بمضاعفة المبلغ المدفوع مقابل السماح بدخول المواد التجارية مما جعل التجار يعرضون عن دفع المبلغ المطلوب، وأدى ذلك إلى إغلاق المعبر أمام البضائع والمحروقات، وارتفاع أسعارها.

 "أبو سمير" من تجار مدينة الرستن، تحدث لـ"اقتصاد": "كنا ندفع للمعبر 25 مليون ليرة في الأسبوع الواحد مقابل السماح لنا بإدخال المواد إلى الريف الشمالي، لكن منذ 15 يوماً رفع المعبر التسعيرة إلى 50 مليون ليرة في الأسبوع دون مبرر، مما أدى إلى امتناع التجار عن دفع المبلغ المطلوب لفتح المعبر".

وأضاف أيضاً: "من المؤكد أن إدارة المعبر علمت بالاتفاقية التي ستلغي المبالغ المدفوعة أسبوعياً بسبب فتح المعابر الروسية مما دفعهم إلى رفع التسعيرة وجني آخر الأرباح من المعابر الحالية. لكن لم يتوقعوا من تجار الريف عدم القبول، وإغلاق المعبر دون نتيجة".


اشتباكات بين الشبيحة على المعابر

وذكر سكان محليون لــ"اقتصاد"، أن قوات النظام في معبر "الدار الكبيرة" وميليشيا "أحمد سيغاتي" و"فادي قربيش"، في قريتي" بعرين" و"خربة الجامع"، والتابعة لفرع المخابرات الجوية بحماة، منعت دخول المواد الغذائية والخضار والفواكه والطحين قبل 20 يوماً من الآن بوقت واحد، ما أدى لارتفاع كافة الأسعار بنسبة تتراوح ما بين 25-50%.

وأوضحت المصادر الأهلية أن مناوشات بالأسلحة الخفيفة حدثت في قرية "بعرين" المجاورة للحولة، بين شبيحة أحمد سيغاتي وشبيحة فادي قربيش، انتهت بالاتفاق على مضاعفة ضريبة إدخال المواد الغذائية لريف حمص الشمالي 4 أضعاف على كل سيارة تدخل الحولة عبر معبر "خربة الجامع".


أكثر من مليون ليرة عمولة دخول السيارة الواحدة

وفي حديث لــ"اقتصاد"، قال تاجر نصف جملة، يدعى" أبو أحمد": "النظام وميليشياته، يحاولون أن يحققوا من خلال هذا الأمر، ما عجزوا عنه بقوة السلاح على ريف حمص الشمالي"، مضيفاً بأن عمولة دخول السيارة الواحدة ارتفعت من 250 ألف ليرة سورية، إلى مليون ومائة ألف ليرة سورية، أي أن الضريبة تضاعفت أكثر من 4 مرات خلال شهر إذ تصل قيمة الرسوم في بعض المواد إلى نحو 100% من أسعار البضائع.

 وأكد أبو أحمد أن التجار يقومون الآن بإدخال المواد الغذائية الضرورية جداً، وينتظرون السماح لهم بإدخال المواد الغذائية والطبية من المعابر النظامية التي ورد ذكرها في بنود اتفاقية تخفيض التصعيد شمال حمص، والتي وُقّعت في القاهرة، وأعلنت عنها روسيا في الثالث من الشهر الجاري.

 تاجر آخر يدعى" أبو حسان" قال لــ"اقتصاد": "تُعتبر خطوة النظام هذه الأولى من نوعها في محافظة حمص، وإن كان يوجد مثيل لها في بقية المناطق المحررة"، متوقعاً أن هدفها تحصيل مزيد من الأموال قبل فتح معابر هدنة ريف حمص الشمالي.


إفراغ مستودعات التجار

المزاجية في سياسة فتح وإغلاق المعابر دفعت التجار في الريف الحمصي إلى القيام بتخزين كميات ضخمة من المواد الغذائية والسلع التجارية والمحروقات، إلى أن يحين وقت الحصار فيطرحونها بالأسواق مقابل أـسعار خيالية. لكن مع الاتفاق الموقع منذ أيام ابتعد شبح الحصار والتهجير عن ريف حمص الشمالي واتجهت بوصلته نحو التهدئة والاستقرار الاقتصادي، مما جعل المخزون الاستراتيجي عند التجار عبئاً عليهم، فقرروا عدم الدفع للحاجز وتسويق مخزونهم بأرباح عالية.

"أبو محمد" من قرية غرناطة تحدث لـ"اقتصاد": "لقد تعودنا خلال السنوات الخمس على جشع التجار وهم من قاموا بهذه الحركة لمنع دخول المواد الغذائية والمحروقات لمضاعفة الأسعار وجني الأرباح من المواد التي في مخازنهم فهم حالياً من يحاصرنا ويضربون ضربتهم الأخيرة".


ماذا لو رضخ التجار لشروط المعبر؟

لم تعتد إدارة المعابر على كلمة (لا) من هوامير الريف الحمصي حيث كانت طريقة شراء المعبر أشبه بالمناقصة بين التجار فمن يدفع أكثر هو من يدير المعبر ويجني أرباحه من الهوامير البقية.

لكن التسريبات حول اتفاق "خفض التصعيد" وما سيرافقه من معابر تسمح بالتجارة الحرة، دفع التجار لأول مرة إلى رفض فتح المعبر في ظل أطماعهم في التخلص من مخزونهم السلعي بأسعار مرتفعة. هذا ما يتحدث به سكان الريف الحمصي. لكن "لو رضخ تجار الريف لإدارة المعبر، لكانت الأسعار ارتفعت أكثر"، هكذا يدافع التجار عن أنفسهم.

"أبو وائل" من تجار قرية الزعفرانة تحدث لـ"اقتصاد": "يتهمنا السكان بالامتناع عن الدفع للمعبر مقابل إفراغ مخازننا من السلع، لكن ما لا يعلمون به أن الأسعار كانت سترتفع أكثر مما هي عليه الآن، لو أننا رضخنا لإدارة المعبر".


أصحاب المتاجر هم من يرفع الأسعار

ما أن انتشر خبر إغلاق المعابر حتى ارتفعت الأسعار بشكل جنوني حتى قبل أن تفرغ المحال الصغيرة من محتوياتها، فهي ظاهرة اعتاد عليها سكان الريف الشمالي.

"قاسم أبو سليم" من سكان مدينة الغنطو تحدث لـ"اقتصاد": "ما أن نسمع بإغلاق المعبر حتى تتضاعف أسعار المواد خلال أقل من دقيقة وبشكل عشوائي، فمحال ترفع قليلاً، ومحال أخرى تبالغ برفع الأسعار، وأخرى تحتكر وتغلق المحل. جشع تعودنا عليه خلال خمس سنوات من الحصار ولا وجود لأي سلطة مدنية أو عسكرية على هؤلاء".

واقع اعتاد عليه 147 ألف نسمة من سكان ريف حمص الشمالي منذ 5 سنوات، لكن الاتفاق الموقع مؤخراً ينبئ بتحسن الأوضاع المعيشية إن صدق الروس في اتفاقهم.

وخلال جولة ميدانية لــ مراسل "اقتصاد"، على بعض الأسواق التجارية بريف حمص الشمالي، لاحظ غياب كلي لفواكه الصيف، وشح كبير بالمواد الغذائية، كما تم تسجيل الأسعار التالية:

كيس سكر (وزن 50كغ) ارتفع سعره من 16500 ل.س إلى 21200 ل.س.

 ليتر زيت دوار الشمس ارتفع من 600 ليرة إلى 800 ليرة.

 كرتونة حفاضات الأطفال ارتفعت من 32000 ل.س إلى 38000 ل.س.

 كرتونة المتّة الحمراء ارتفعت من 41000 إلى 46500 ليرة سورية.

 كيس الأسمنت (وزن 50كغ) ارتفع من 3000 ل.س إلى 5000 ليرة سورية.

 أسطوانة الغاز من 6200 إلى 9000 ليرة.

 كما ارتفعت أسعار المحروقات بنسبة 30%.

 ويتوقع أن يصل كيلو الخبز إلى 500 ليرة سورية، بعد نفاذ المخزون الاحتياطي، وفي حال استمرار فرض الضرائب الخيالية على المواد الداخلة لريف حمص الشمالي.

ترك تعليق

التعليق