حسب وثائق مسرّبة.. هل حصل اختلاس في أموال الحجاج السوريين؟


ننوه إلى أن "اقتصاد" يحتفظ بتفاصيل أخرى تكشفها الوثائق المسربة، على أمل أن نجد التجاوب المنتظر من قيادة الائتلاف لتفسير ما حدث في السنوات الأولى من عمل لجنة الحج السورية.


خلال مواسم حج الأعوام، ( 2013، 2014، 2015 ميلادية)، اختفت مبالغ مالية تقارب الـ 400 ألف دولار من حسابات مكتب مكة التابع للجنة الحج السورية العليا. لكن، سرعان ما استُردت تلك المبالغ المالية. وقد تكون هناك مبالغ أخرى، تقاربها بالقيمة، قد اختفت أيضاً، ولم يتم الكشف عنها حتى الآن.

ذلك ما تقوله وثائق مسرّبة حصل عليها موقع "اقتصاد"، تحكي قصة إهمال محاسبي، وأخطاء إدارية، قد ترقى إلى شبهة اختلاس. وهي قصة علمت بها قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، يومها. وأدى ذلك إلى تشكيل لجنة تحقيق في مخالفات وتجاوزات لجنة الحج السورية. لكن نتائج التحقيق بقيت طي الكتمان. ولف الغموض القصة برمتها، وبقي بعض رموزها على رأس عملهم حتى يومنا هذا.

فما الذي حدث في مواسم الحج المذكورة؟

بدأ الأمر حينما اتهم مدير مكتب مكة السابق (عبد الله آق بيق)، سلفه (محمد خالد كوكي)، بمسؤوليته عن اختفاء مبالغ مالية قد تصل إلى 400 ألف دولار. وحينما واجهه بالأمر، أعاد (كوكي) غالبية تلك المبالغ، المقدرة بحوالي 376 ألف دولار، فيما أودع جزءاً آخر منها، حوالي 30 ألف دولار، في حساب لمؤسسة الطيران السعودية. وما يزال المبلغ الأخير هناك، دون أن يستطيع مكتب مكة استرداده، بسبب الإجراءات البيروقراطية لمؤسسة الطيران السعودية.

هل كان اختلاساً أم مجرد أخطاء محاسبية وإدارية؟

ما يزال الجواب على ذلك مجهولاً. الرواية الأولى، كما وصلتنا نقلاً عن عضو سابق في لجنة الحج، تحدث إلينا شريطة عدم الكشف عن اسمه، أن نشاطات مدير مكتب مكة الأسبق، (محمد خالد كوكي)، تتجاوز الأخطاء المحاسبية، وترقى إلى شبهات اختلاس. بل يؤكد المصدر أن لديه ما يثبت أن هناك مبالغ قد تصل إلى 500 ألف دولار أمريكي، ما تزال مفقودة من حسابات مكتب مكة خلال فترة إدارة (كوكي).

المصدر نفسه، يشير إلى أن (كوكي) حظي بغطاء جنّبه أي محاسبة، بفعل انتمائه لتيار إسلامي دمشقي، يتمتع بنفوذ كبير في أوساط الائتلاف، حسب وصفه. ويوضح المصدر أن رموزاً في ذلك التيار أصرت على أن ما قام به (كوكي)، لا يعدو كونه أخطاء إدارية وإهمالاً محاسبياً، لا يرقى إلى شبهة الاختلاس. لكن المصدر يؤكد بأن (كوكي) بقي يقوم ببعض المهام لصالح لجنة الحج السورية، بتوجيه من نائب رئيسها، سامر بيرقدار، حتى بعد ثبوت وقوع ذلك الإهمال المحاسبي الذي يصل إلى مبالغ تقارب الـ 400 ألف دولار، الأمر الذي اعتبره المصدر، تواطئاً مثيراً للارتياب.

وأكد المصدر أنه لا يتهم التيار الإسلامي الدمشقي، المشار إليه، بالتورط في فساد (كوكي)، لكنه في نفس الوقت، وبسبب ولاء (كوكي) لذلك التيار، حاول بعض رموزه لفلفة الأمر، حسب وصف المصدر.

ننوه هنا إلى أن (سامر بيرقدار) ما يزال حتى يومنا هذا، يدير لجنة الحج السورية العليا، من موقعه كـ نائب لرئيس اللجنة.

لجنة تحقيق نتائجها سرّية!

الوثائق التي حصل عليها "اقتصاد"، تؤكد أن قيادة الائتلاف اشتبهت بالفعل بوجود تجاوزات تستحق التحقيق في نشاطات إدارة مكتب مكة في مواسم الحج الأولى، الأمر الذي دفعها لتشكيل لجنة قانونية للتحقيق، ترأسها، (نظرياً فقط حسب مصادرنا)، رئيس الدائرة القانونية للائتلاف، هيثم المالح. وكان هشام مروة، نائباً له.

لكن نتائج التحقيق بقيت طي الكتمان. وكانت الإجراءات الوحيدة التي حدثت على أرض الواقع، حتى قبل تشكيل لجنة التحقيق، هي إقالة مدير مكتب مكة، (عبد الله آق بيق)، الذي أثار قضية التجاوزات في عهد سلفه (كوكي).

"اقتصاد" تواصل مع هشام مروة، الذي كان قبل سنتين، نائباً لرئيس الائتلاف، وتولى التحقيق في تجاوزات لجنة الحج. فقال لنا: "الملفات درستها اللجنة القانونية، وقُدّم الرأي القانوني لرئيس اللجنة الذي أحاله للائتلاف، والإعلان عن ذلك ليس من صلاحيات اللجنة القانونية، بل من صلاحيات قيادة الائتلاف".

لكن قيادة الائتلاف لم تعلن عن ذلك يومها. وكان حينها، خالد خوجة، رئيساً للائتلاف، ويحيى مكتبي، أميناً عاماً له، ورئيساً للجنة الحج السورية العليا (موقعه نظري حسب مصادرنا).

تواصلنا مع رياض سيف، رئيس الائتلاف في الوقت الراهن، طلباً لتصريح بخصوص هذه القضية، إن كان لدى قيادة الائتلاف الحالية أي معلومات عنها. لكننا لم نحصل على رده حتى ساعة إعداد التقرير.

الرواية الثانية

لم يستطع "اقتصاد" التواصل مع أحد من أصحاب الرواية الثانية حول حقيقة ما حدث من تجاوزات في نشاطات لجنة الحج في السنوات الأولى. لكن الرواية ذاتها وصلت لـ "اقتصاد" نقلاً عن مصادر أخرى، ومفادها أن مدير مكتب مكة الأسبق، (كوكي)، وقع في أخطاء إدارية وتجاوزات محاسبية، لا ترقى إلى شبهة الاختلاس، وأنه أعاد الأموال التي فُقدت من حسابات مكتب مكة.

لكن "اقتصاد" يسأل: هل يُسقط ذلك الحق العام، إن ثبت وجود أموال خرجت من الحسابات الرسمية، ومن ثم عادت إليها بعد مواجهة المسؤول عنها؟!

"اقتصاد" سأل خبيراً قانونياً، أطلعناه على الوثائق المتواجدة في حوزتنا، فأكد وجود شبهة اختلاس، وأنه كان من واجب الائتلاف حينها، توجيه تهمة "إساءة ائتمان"، للمسؤول عن ذلك، حتى لو أعاد الأموال المفقودة.

لكن هل عادت كل الأموال المفقودة بالفعل؟

يعتقد مصدرنا، العضو السابق في لجنة الحج السورية العليا، أن هناك ما لا يقل عن 500 ألف دولار أمريكي، ما تزال مفقودة. لكن الأمر لا يقف عند ذلك الحد. فالوثائق المتوافرة لدى "اقتصاد" تكشف أن (كوكي) تصرف بسيولة مالية تتجاوز الـ 5 مليون دولار، دون أية فواتير نظامية. كما أنه تعامل مع سماسرة في مجال تأمين السكن للحجاج السوريين رغم وجود لجنة استئجار. وقد أحيلت تلك الشبهات إلى نائب رئيس لجنة الحج، سامر بيرقدار، لكنه لم يتخذ أي إجراء، سوى إعفاء (كوكي)، لاحقاً، من مهامه كمدير مكتب مكة، مع استمرار تكليفه ببعض المهام لصالح لجنة الحج، بصورة غير رسمية.

والأمر الأخطر، حسبما يقول مصدرنا، أن (كوكي)، اشترى 3000 تذكرة في حوالي 10 طائرات على الأقل، لنقل الحجاج السوريين، من طيران "ناس"، بأسعار أغلى من الأسعار الرائجة لدى نظيرتها، "الطيران السعودية"، رغم أن جميع المتعاملين مع شركات الطيران في المنطقة يعلمون أن "طيران ناس" أرخص بكثير مقارنة بـ "الطيران السعودية"، مما يثير المزيد من الشبهات حول وجود أموال مفقودة من حسابات لجنة الحج السورية العليا.

رواية ثالثة

مصدر آخر، تحدث لـ "اقتصاد"، نتحفظ أيضاً على ذكر اسمه، أوضح لنا نظرة قيادات في الائتلاف للأمر، أنه لا يستحق إثارة ضجة إعلامية، سيستغلها أعداء الثورة ليطعنوا بها. وقال المصدر: "حساب كل من تصدر المشهد ممكن أن يتم بعد استقرار الأوضاع وانتصار الثورة، ولن يضيع منه شيء. أما الآن، فيجب رص الصفوف، وتركيزها لتحقيق أهداف الثورة".

لكن يبقى السؤال هنا: ما الفرق حينها بين النظام وأنصار الثورة؟!، أليست أبرز أهداف الثورة، وأسبابها، هو القضاء على الفساد، وتحقيق الشفافية على صعيد إدارة الموارد المالية والاقتصادية؟، فإن كان نضال الثوار سيكون مشفوعاً بتجاوزات مالية ومحاسبية، ما الذي يميزهم حينها عن النظام وأنصاره؟!

ننوه هنا إلى أن "اقتصاد" ما يزال يحتفظ بتفاصيل أخرى تكشفها الوثائق المسربة، على أمل أن نجد التجاوب المنتظر من قيادة الائتلاف لتفسير ما حدث في السنوات الأولى من عمل لجنة الحج، والذي من المحتمل أن يكون مستمراً حتى اليوم. وتعتقد هيئة التحرير في "اقتصاد" أن من حق جمهور الثورة أن يحظوا بالشفافية المنتظرة من قيادة تدعي تمثيل من ثاروا على الطغيان والفساد.

نشير إلى أن "اقتصاد" مستعد لنشر أي ردود أو تعليقات أو توضيحات تصلنا من أي طرف في القضية المفصلة أعلاه. ونحفظ لجميع الأطراف حقها في إبداء وجهة نظرها.

وفي الختام، نذكّر أن ملف الحج، هو الملف الرسمي الوحيد الذي تمكنت المعارضة من انتزاعه، من النظام السوري، بدعم من السلطات السعودية. وتكفل به الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، عبر لجنة مخصصة باسم، لجنة الحج السورية العليا. وتعمل اللجنة عبر 7 مكاتب رئيسية، و4 مكاتب فرعية، أحدها، مكتب مكة المكرمة.


(ثلاث قصاصات من الوثائق المتوافرة لدى "اقتصاد")





ترك تعليق

التعليق