في كنف "الخلافة" لعامين.. أكاديمي يكشف بالتفصيل الحياة المعيشية للأهالي تحت سلطة التنظيم


"لم يتبقَّ إلا القليل من السكان، لا تجد سوى مقاتلي التنظيم، من الجنسيات الأجنبية، فالأهالي يحاولون الهرب، بعد اشتداد وطأة قصف التحالف الدولي على المدينة، وما حولها، حيث أسراب الطيران لا تغادرها"، بهذه العبارات وصف الدكتور في الاقتصاد "م، ح"، خلال حديثه لـ "اقتصاد"، الوضع الذي يعيشه أهالي مدينة الميادين الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة"، والواقعة بريف مدينة دير الزور، خلال الأيام القليلة الماضية.

ويشير الدكتور، الذي يُرمّز لاسمه بـ "م، ح"، لأسباب أمنية تتعلّق بسلامة عائلته في الميادين، إلى أنّ أغلب أهالي المدينة، فرّوا منها، بسبب كثّافة القصف، إضافة إلى إغلاق عدد كبير من المحال التجارية فيها؛ بسبب فرض التنظيم لعملته على التجار، والسكان، ما جعل الغالبية العظمى من تجار المدينة، يضطرون لإغلاق محالهم.

وكان تنظيم "الدولة"، أصدّر في الأول من شهر تموز/ يوليو الماضي، قراراً، يُلزم باستخدام عملته في عمليات البيع والشراء، داخل المناطق الخاضعة لسيطرته في محافظة دير الزور، شرقي سوريا.

ويُعزى استياء السكان من التعامل بعملة التنظيم، بحسب الدكتور، إلى أسباب سياسية، بسبب عدم الثقة بالتنظيم، وقدرته على الثبات أمام كل التحديات العسكرية التي تحيط به، إضافة إلى انعكاس صرف المحال التجارية للدرهم والدينار بأقل من سعرهما الحقيقي، ما يُقلل من قيمة عملتهم الأصلية، سواءً أكانت دولار أمريكي، أم ليرة سورية، وذلك بالرغم من كون العملات مصكوكة من المعادن الثمينة، وقيمتها فيها.

وتبلغ قيمة "دينار الذهب" 195 دولار أمريكي، و"درهم الفضة" يعادل ثلث أو نصف قيمة الدينار الذهبي. وصك التنظيم العملة الخاصة به في شهر أيار/ مايو من العام الجاري، في معامل خاصة في أماكن سيطرته، حيث حصر التعامل فيها بالبدء على تجارة النفط ما بين سوريا والعراق.

التنظيم يصادر أملاك معتقليه والنازحين من مناطقه

ويُصادر القائمون على التنظيم أملاك مناوئيهم من فصائل المعارضة، إضافة إلى أملاك النازحين عن المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم.

في هذا السياق، يقول الدكتور "م، ح": "يُصادر التنظيم أملاك المعتقلين في سجونه من منازل وأراضٍ، ويجبر أهلهم على الخروج منها، حيث يغلب على أولئك المعتقلين، انتسابهم للجيش الحر، والنصرة، إضافة إلى السحرة، وكذلك أملاك النازحين عن الأراضي الخاضعة للتنظيم، ويسمح لنفسه بالتصرّف بها".

التنظيم يُحارب التعليم

منع التنظيم التعليم في مناطق نفوذه، واقتصر الدور التعليمي على الكتاتيب الخاصة بالتنظيم، وكذلك المعسكرات التي تُسمى بـ "أشبال الخلافة"، حيث يتم تعليم الطفل فيها مبادئ القتال، وكيفية استخدام الأسلحة النارية، إضافة إلى ضخ الأفكار العقدية الخاصة بالتنظيم من خلال مناهج خاصة به.

في هذا الصدد، يقول الدكتور "م، ح" لـ "اقتصاد": "إنّ من أكثر الكوارث في مناطق التنظيم، هو منعه للتعليم، حيث لا مدارس في تلك المناطق، ولا جامعات؛ بحجة المناهج الكفرية، بحسب مقاتلي التنظيم".

ويشير الدكتور إلى سماح التنظيم في الفترة الأخيرة، بقيام معاهد خاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، لكنها بحسب محدثنا، لم تلقَّ قبولاً في أوساط الأهالي، بسبب عدم القدرة المالية، كون الأقساط الشّهرية لها تبلغ ألفي ليرة للطالب الواحد، إضافة إلى عدم ترجي الأهالي لأي فائدة من شهاداتهم.

وبحسب محدثنا، فإنّ تلك المعاهد، بحاجة إلى تراخيص من قبل ديوان التعليم التابع للتنظيم، مشيراً إلى أنّها غالباً ما تحظى بالموافقة من قبله، بسبب اقتطاع التنظيم جزء من عائدات تلك المعاهد لصالحه.

ويخضع الكبار والصغار، ونساء، من مخالفي قوانين التنظيم، سواء في اللباس، أو قوانين السير، وما إلى هنالك من مخالفات لقوانين فرضها التنظيم على الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرته، لدورات شرعية واستتابة، إضافة إلى دفع النساء مبلغ 7 آلاف ليرة سورية؛ في حال مخالفتهم لقانون اللباس؛ بحسب الدكتور.

التنظيم والنظام والمنتجات النفطية

وتراجع إنتاج التنظيم من النفط، بسبب كثافة الغارات الجوية للتحالف الدولي، على آبار النفط في مناطق التنظيم، وهو ما يؤكده محدثنا، مشيراً إلى أنّ خسائر التنظيم بسبب تلك الضربات، كبيرة للغاية؛ كون التحالف الدولي يستهدف بشكل يومي آبار النفط، لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع إيراد أرقام دقيقة حول حجم تلك الخسارات، كونه غير مطلع على السجلات الخاصة بها لدى التنظيم.

ويؤكد مُحدثنا على العلاقة ما بين النظام والتنظيم، فيما يخص تجارة النفط، مشيراً إلى ذهاب النوعيات الجيدة من النفط الذي ينتجه التنظيم إلى مناطق النظام، ما أسهم بحسب الدكتور، بارتفاع أسعار النفط في مناطق التنظيم، وانخفاض جودته، حيث وصل سعر الليتر الواحد من البنزين إلى أكثّر من 300 ليرة سورية، والمازوت إلى 150 ليرة.

ويشير الدكتور في الاقتصاد، إلى تزويد التنظيم للنظام بالكهرباء والغاز في منطقة الميادين، من خلال معمل "كونيكو" شرق المدينة، إضافة إلى محطة توليد للكهرباء في حقل العمر بالقرب من المدينة، لكن، بحسب محدثنا، فإنّ غارات التحالف أتت عليهما قبل عام من الآن، منوهاً في الوقت ذاته إلى بقاء العمال الأساسيين في الموقعين المذكورين إلى ما قبل غارات التحالف عليهما.

وكانت تقارير إعلامية، وصحفية متعددة كشفت النقاب عن علاقات تجارية بين النظام والتنظيم فيما يخص تجارة النفط والغاز، إضافة إلى ضلوع روسيا في عدد من تلك الصفقات، بحسب تلك التقارير لعدد من وسائل الإعلام من أبرزها "التلغراف"، حيث أشارت الأخيرة إلى أنّ النظام لا يكتفي بشراء النفط من التنظيم، بل يساعده في إدارة المنشآت النفطية.

وأشار الدكتور إلى أنّ التنظيم شلّ حركة عدد كبير من المهن في مناطق سيطرته، من خلال منع مسببات العمل بها، حيث منع وجود أجهزة الاستقبال "الدشات"، ما قضى على المهنة تماماً، وكذلك تسبب بإغلاق العشرات من شركات السفر، من خلال منع سكان مناطق سيطرته من السفر خارجاً، إضافة إلى منعه حلاقة الذقن، ما تسبب بجمود في صالونات الحلاقة، إضافة إلى حصره اللباس بلون واحد.

وبحسب محدثنا فإنّ التنظيم أسهم بارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير في صفوف الشبان، بسبب إغلاق الجمعيات الخيرية، وشلّ العمل المدني في مناطق سيطرته، مشيراً إلى اقتصار المداخيل التجارية لسكان مناطق التنظيم، على العمل الخاص، من تجارة وصناعة، إضافة إلى العمل الإداري في المؤسسات التي أنشأها التنظيم، والتي لا تشترط المبايعة له، على الموظفين الصغار في تلك الدوائر، في المقابل تشترطها على كبار الموظفين، من رؤساء أقسام وما فوق.

ويقتصر عمل ديوان الزكاة التابع للتنظيم، على حالات محدودة من الأهالي، في المناطق الخاضعة لسيطرته، بحسب الدكتور، مشيراً إلى عزوف الناس في تلك المناطق عن الذهاب إلى الديوان؛ كونه يتطلب معاملات معقدّة للحصول على منحة الزكاة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ المعدّل الوسطي لمصروف العائلة الشّهري في مناطق التنظيم يصل إلى أكثّر من 100 ألف ليرة سورية، وهو ما يعني أنّ نسبة 70% من سكان تلك المناطق غير قادرة على تأمين متطلبات الحياة اليومية.

وحصل محدثنا، الدكتور "م، ح"، على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة حلب، في عام 2011، حيث عمل في مجال المحاسبة لسنوات طويلة في إحدى الدوائر الحكومية بجامعة حلب، وكذلك درّس في المعهد التجاري في جامعة حلب، إضافة إلى عمله كمدرس في جامعة الاتحاد الخاصة، وكذلك في كلية الاقتصاد في جامعة الفرات، ليستقر به الحال في عام 2015 بمدينة الميادين، حيث عمل في سوبر ماركت، إلى أنّ تمكّن من الخروج منها إلى إدلب قبل أيام قليلة.

ترك تعليق

التعليق