أن تكون عامل نظافة في غوطة دمشق


لم يجد "أبو حسان"، وهو أحد عمال النظافة في مدينة دوما، مهرباً من فرصة العمل التي وجدها ضمن مكتب الخدمات في المجلس المحلي للمدينة قبل سنة من الآن. ويقول لـ "اقتصاد": "بسبب ظروف الحصار والأوضاع الإقتصادية الصعبة التي فرضها علينا النظام السوري قمت بتقديم استمارة توظيف في مكتب الخدمات لأعمل في تنظيف الأحياء السكنية في مدينة دوما، ولم أرى أن ذلك معيباً، بل على العكس هي مهنة شريفة تحقق دخلاً لا بأس فيه ريثما تتحسن الظروف الإقتصادية".

 وختم أبو حسان: "أنصح كل من يستطيع العمل أن لا يتوانى في ذلك لأن المؤسسات البديلة للنظام عملت بأقصى طاقاتها من أجل سد الفراغ الذي خلفه هروب مؤسسات النظام".

فبعد تحرير الغوطة الشرقية أواخر العام 2012، توقفت جميع المؤسسات الحكومية بكافة أشكالها (تعليمية خدمية طبية إجتماعية) عن خدماتها، وذلك بسبب سحب النظام السوري مقومات بقاء هذه المؤسسات، فأخذ العديد من الناس ذوي الخبرة بمختلف الإختصاصات الأكاديمية، على عاتقهم، تنظيم الأمور الخدمية في مدن الغوطة، إلى أن تم تأسيس المجالس المحلية في بداية العام 2013، بغية تنظيم الجهود وتوحيدها ضمن أطرها والعمل على تنميتها.

ومع مرور الأيام بدأ مكتب الخدمات الموحد في الغوطة عمله بتاريخ 09/02/2013، وذلك عبر اجتماعات دورية للأمانة العامة لتحديد المهام والمسؤوليات ونطاق العمل، وما لبث أن انتقل إلى تنفيذ أعمال خدمية من جهود ذاتية، كحملات النظافة وإصلاح أجزاء من شبكات الكهرباء إضافة إلى محاولات تفعيل شبكة المياه العامة، وذلك بحسب المهندس "بسام زيتون"، مدير مكتب الخدمات الموحد في الغوطة الشرقية.

وأضاف "زيتون" أنه نتيجة نضوب الموارد الذاتية، انتقلت إدارة المكتب إلى التواصل مع المنظمات الداعمة لمشاريع القطاع الخدمي لإطلاعها على خطورة تدني الخدمات في المنطقة وآثارها السلبية على السكان وصحتهم وإقناعهم بأهمية تمويل مشاريع خدمية, فاستطاع المكتب الحصول على تمويل لتنفيذ عدة مشاريع شملت كافة مجالات العمل الخدمي من مشاريع نظافة إلى مشاريع المياه إضافة إلى مشاريع الطاقات المتجددة ومشروع نقل ومواصلات ومشاريع الصرف الصحي.

وعندما كان هناك مشروع نظافة تنفذه المديرية على مستوى الغوطة كان هناك رواتب لعمال النظافة محدة بقيمة 90 دولار للعامل الواحد. ومع انتهاء المشروع الذي استمر لمدة سنة كاملة أصبح كل مجلس محلي حسب امكانياته يدفع رواتب لعمال النظافة عنده، ولهذا نرى تفاوتاً للرواتب حسب موارد كل مجلس محلي من مجالس مدن الغوطة.

وختم زيتون حديثه لـ "اقتصاد" بتسليط الضوء على أهم المشكلات التي يعاني منها قطاع الخدمات في غوطة دمشق، فقال: "ارتفاع الأسعار وعدم وجود مشاريع بشكل مستمر يؤدي إلى انقطاع تقديم الخدمات، كذلك حجم العمل الخدمي على مستوى الغوطة كبير جداً ويحتاج إلى موارد مالية وفنية كبيرة، أيضاً القصف الذي تتعرض له مدن الغوطة يربك العمل ويسبب ضغطاً على العمال أثناء عملهم.

وللحديث بشكل أكثر دقة وتفصيل عن رواتب عمال الخدمات في بعض مدن الغوطة، التقينا بالأستاذ "كمال التكلة"، رئيس المجلس المحلي لبلدة مسرابا، الذي أكد أن مكتب الخدمات في المجلس يعاني بشكل كبير حالياً من انعدام الدعم المالي، ولهذا السبب نجد عدد عمال النظافة ضئيلاً جداً مقارنة بالعمل الموكل لهم، فعدد العمال مع المشرف والمدير لا يتجاوز 12 موظفاً، والبلدة بحاجه لضعف هذا العدد.

وكشف الأستاذ "كمال" أن الكتلة النقدية المترتبة شهرياً على مصاريف مكتب الخدمات تبلغ حوالي مليون ونصف أي ما يعادل 3500 دولار أمريكي، وتتمثل هذه الكتلة برواتب العمال وموظفي المكتب بالإضافة إلى مصاريف الصيانة الدورية للآليات والمعدات، فضلاً عن المحروقات اللازمة لتسيير تلك الآليات. وأضاف: "راتب عامل النظافة الواحد لا يتجاوز 50 دولار أمريكي في الشهر وهذا المرتب يكفي عائلة مكونة من 5 أفراد لأسبوع واحد فقط".

وختم الأستاذ كمال: "لا يوجد أي جهه تبنت العمل كاملاً أو حتى جزءاً منه، باستمرار، وليس هناك إلا بعض المساعدات البسيطة والآنية، ونتغلب على هذه المشاكل من خلال روح العمل الجماعي بالمجلس والحس القوي بالمسؤولية الدينية والأخلاقية تجاه مجتمعنا وبلدتنا، بالإضافة إلى تفاني عمال النظافة في أداء عملهم وتغليب المصلحة العامة في هذه المرحلة الحرجة والمأساوية في بلادنا".

ولدى إعداد التقرير وجدنا أن هناك فرقاً شاسعاً في رواتب عمال النظافة باختلاف البلدات والمدن، ففي مدينة سقبا يبلغ راتب عامل النظافة حوالي 80 دولار أمريكي شهرياً، وذلك حسب الأستاذ "عمر زمزم" مدير مكتب الخدمات في المجلس المحلي لمدينة سقبا، والعمل في مشروع النظافة بالمدينة يتم ضمن خطة مهنية ومدروسة من توزيع نشاط المكب على مساحة المدينة لتخديم الأهالي، ويبلغ عدد تلك النقاط 35 حاوية نفايات، بالإضافة إلى أنه في فصل الصيف يجب مضاعفة العمل بشكل كبير، لأن القمامة إذا بقيت لفترة طويلة في هذا الجو الحار فإنها ستتسبب بانتشار أوبئة وأمراض، فضلاً عن العمل ببخ الأحياء والشوارع بالمبيدات الحشرية منعاً لانتشار الحشرات بشكل كبير.

وفي ظل كل الأعمال التي تقوم المجالس المحلية بتنفيذها سواءً بدعم من منظمات العمل المدني أو بدونه، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً، لماذا عامل النظافة في منطقة معينة يتقاضى 50 دولار شهرياً، بينما يتقاضى نظيره في منطقة أخرى 125 دولار شهرياً، وهم في نفس البقعة الجغرافية؟

وللإجابة عن هذا السؤال وتفسيراته، وجد الأستاذ "فراس المرحوم" مدير مكتب IHR في الغوطة الشرقية، أن سبب التفاوت في قيمة الرواتب هو عدم وجود جهة داعمة واحدة لقطاع الخدمات والنظافة إجمالاً في جميع مدن الغوطة. ففي مدينة دوما على سبيل المثال، الجهة الوحيدة المشغلة لقطاع النظافة في المدينة هي IHR منذ ما يزيد عن تسعة عشر شهراً، "ولا نستطيع تحمل مصاريف باقي البلدات نظراً لمحدودية الدعم"، فضلاً عن أن كل بلدة لها ترتيبها الخاص، فالبلدات التي لها عقود مع منظمات العمل المدني يصل راتب عامل النظافة فيها إلى حوالي 120 دولار، بينما البلدات التي لا دعم لها يلجأ المجلس المحلي فيها إلى أخذ ضرائب نظافة رمزية وقد لا يصل راتب العامل فيها إلى أكثر من 60 دولار إن لم نقل أقل.

وختم "المرحوم": "من الإجحاف جداً بحق جميع عمال النظافة أن نرى هذا التفاوت، ونأمل من الجهات المانحة زيادة نشاطاتها لتشمل جميع مدن الغوطة دون استثناء لما لهذا العمل من أهمية قصوى تتجاوز كونها عملاً خيرياً أو تنموياً فحسب".

ترك تعليق

التعليق