هل تصبح سدود درعا خطراً على سكانها؟


أدت الظروف المناخية الصعبة وتوالي سنوات الجفاف، والاعتداءات المتكررة على المصادر المائية في محافظة درعا، إلى جفاف بعض السدود ومصادر المياه، ما أسهم في تراجع المساحات الزراعية وتحميل السكان أعباء اقتصادية إضافية، فاقمت من سوء أوضاعهم المعيشية.

ويقول المهندس قصي القاسم، إن "الفوضى التي تشهدها البلاد تسببت في عمليات هدر واستنزاف للمخازين المائية"، مشيراً إلى أن الحفر العشوائي للآبار الارتوازية والسطحية وإقامة السدات على مجاري الأنهار المغذية للسدود التي نفذتها  مؤسسات النظام خلال الأعوام القليلة الماضية، والاعتداء على الينابيع ومصادر المياه الطبيعية، أسهم في انتشار ظاهرة جفاف السدود التجميعية، كسد درعا الشرقي، وعابدين، وعدوان وسحم الجولان في حوض اليرموك، في ريف درعا الغربي، وبحيرة المزيريب الطبيعية، إضافة إلى تسببها بنقص كبير في مناسيب المياه، في عدد من السدود الأخرى، كسد غربي طفس.

وأضاف أن "تلوث بعض سدود المحافظة بمياه الصرف الصحي، فاقم من مشكلات المزارعين، وتسبب بخروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية القريبة من تلك السدود، من دورة الاستثمار الزراعي".

وأضاف المهندس القاسم: "سد درعا الشرقي الذي يعتبر من أهم السدود وأكبرها في المحافظة، لم يشهد منذ استثماره قبل أكثر من 40 عاماً، مثل هذا الوضع المزري، ولم يسجل انخفاضاً ملحوظاً في منسوب مياهه إلا خلال فترة الحرب التي تعيشها البلاد، وقيام النظام بإغلاق المصادر المغذية له عن طريق وادي الزيدي القادم من شرق المحافظة، وبعض الأقنية الواصلة إليه من ينابيع غرب المحافظة".

وأضاف أن مياه الأمطار الهاطلة وما تسرب من الأنهار المغذية للسد خلال الشتاء الماضي، أعادت الحياة  للسد بعد فترة جفاف دامت عدة أشهر، تسببت في موت جميع الأحياء المائية والأسماك في السد، ويباس الأشجار الحراجية في حرمه.

وأشار عدد من السكان إلى أن جفاف السدود، وشح المياه في بعض سدود المحافظة، فاقم من تدهور أوضاعهم الاقتصادية، وأجبرهم على ترك أراضيهم بوراً، كما وتسبب في يباس آلاف الأشجار المثمرة والحراجية على جوانب السدود.

ويقول أبو عبد القادر، 58 عاماً، مزارع من درعا، "أملك حقلاً بالقرب من سد درعا الشرقي، فيه مئات أشجار الزيتون المعمرة المثمرة ، عمرها عشرات السنوات، اضطررت على مدار الأعوام الماضية إلى احتطاب قسم كبير منها، بسبب يباسها وعدم القدرة على تأمين المياه الكافية لإروائها، نتيجة النقص الكبير في مياه السد وعدم القدرة على ضخ المياه إليها بسبب عدم توفر المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها".

وأضاف: "كنت في كل عام أعصر من إنتاج حقلي أكثر من خمسين تنكة زيت، لكن خلال العامين الماضيين لم أستفد شيئاً، ولم أحصل حتى على مونة بيتي".

فيما أكد، أبو عزيز، 46 عاماً، فلاح  من ريف درعا الغربي، أنه "يضطر لشراء المياه بالصهاريج الزراعية لسقاية حقل الزيتون لديه"، لافتاً إلى أنه يدفع ثمن صهريج المياه سعة 40 برميل نحو 5500 ليرة سورية، بسبب بعد حقله عن البئر الذي يشتري منه المياه.

وقال إن "انخفاض منسوب المياه في سد غربي طفس حرم الكثير من المزارعين من سقاية محاصيلهم الزراعية وحقول الأشجار المثمرة لاسيما أشجار الزيتون، التي تشكل مصادر دخل أساسية لغالبية من تبقى من السكان".

وأضاف: "لم يعد لدينا أي مصادر رزق غير الأرض وما تعطيه. لكن بتنا نصطدم بالكثير من المعوقات، وفي مقدمتها عدم توفر المياه"، داعياً الجهات المسؤولة في المناطق المحررة إلى ضرورة وضع حد لهذا الاستنزاف الجائر للمياه ووقف الاعتداء على مصادرها وترشيد استهلاكها.

المهندس سامر العبدالله، أكد أن "جفاف السدود يشكل خطراً كبيراً على بنيتها الإنشائية ويتسبب في تشققها وتصدعها"، مبيناً أن غياب الرقابة وعدم القدرة على إجراء الصيانة الدورية للشبكات ولمكونات السدود، يهدد بخروج السدود من الاستثمار الفعلي، ويصبح وجودها خطراً على المناطق السكانية القريبة منها خلال المواسم المطيرة".

وأضاف أن "معظم سدود المحافظة لم تخضع لصيانة دورية منذ انطلاق الثورة، وذلك بسبب عدم قدرة مؤسسات النظام من الوصول إليها بسبب الأعمال العسكرية، كما أن مجلس محافظة درعا الحرة لا يملك الإمكانات المادية ولا البشرية للقيام بهذه المهمة".

مصدر في مجلس محافظة درعا أكد أن الواقع المائي في المحافظة أصبح بخطر شديد نتيجة الاستنزاف المتواصل للمياه، وعدم القدرة على تعويض الفاقد، لافتاً إلى أن  مصادر مياه الشرب أيضاً، باتت هي الأخرى في خطر، وأن حصة الفرد انخفضت من 150 لتر في اليوم إلى أقل من 30 لتر.

ولفت إلى أن "عدم وجود صيانة لمحطات الضخ على مشاريع مياه الشرب، وعدم وجود الكهرباء والمحروقات لتشغيلها، أوقع الكثير من التجمعات السكانية في عجز مائي كبير، وفرض على السكان  تعويض ذلك من خلال شراء المياه من الآبار، التي عادة ما تكون مياهها غير نظيفة وبأسعار مرتفعة، الأمر الذي  تسبب في تفشي بعض الأمراض، وجعل المواطن يضع موازنة خاصة لا تقل عن عشرة آلاف ليرة سورية شهرياً ثمن مياه".

يشار إلى أنه يوجد في محافظة درعا نحو 16 سداً تخزينياً، تتوزع في مناطق المحافظة المختلفة، وتبلغ طاقتها التخزينية القصوى نحو 92 مليون متر مكعب، وتروي أكثر من عشرة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية الخصبة، وقد بلغت طاقتها التخزينية خلال العام الحالي أقل من 21 بالمائة، بسبب قلة الأمطار الهاطلة في المحافظة، فيما يوجد نحو 4750 بئراً، تروي مساحات شاسعة من الأراضي، لكن الكثير منها خرج من الاستثمار بسبب الجفاف وسوء الاستخدام.

ترك تعليق

التعليق