هل عاد "الآغا" ليتجسد من جديد في ريف حمص الشمالي؟


فيما يعتقد فلاحون في ريف حمص الشمالي أنهم يعيشون عهد "الآغا – البيك"، من جديد، يدفع تجار الحبوب والمحاصيل الزراعية، تلك التهمة عن أنفسهم، مؤكدين عجز السيولة لديهم، والضغوط التي يتعرضون لها بحكم ظروف الحصار.

وفي الموروث الشعبي للفلاحين في سوريا، يتجسد الاستغلال في شخصية الآغا (البيك)، الذي لا يمكن لفلاح تجاوزه في تحقيق أي مكاسب مادية دون رضاه أو علمه. لكن بعد نهاية عصر الآغاوات تمكن الفلاحون من ممارسة نشاطهم التجاري بكل حرية تقريباً، فاستطاعوا تسويق محاصيلهم الزراعية بأكثر الطرق ربحاً.

وبعد قيام الثورة وانتهاج النظام سياسة الحصار، يرى مزارعون في ريف حمص الشمالي، أن وجه الآغا عاد للظهور، متمثلاً بمجموعة من تجار الحبوب هم وحدهم من يحدد أسعار الحبوب، فلا يستطيع سواهم إخراج أي نوع من أنواع المحاصيل الزراعية بسبب الضرائب التي تفرضها معابر النظام، والتي انفردوا بقدرتهم على الدفع لها، وضمان تسويق المحاصيل في أسواق النظام.

كساد المحصول

وعلى الرغم من تدني معدل الإنتاج لجميع المحاصيل الزراعية هذا العام، إلا أن أزمة الكساد حقيقية في أسوق الحبوب في ريف حمص الشمالي بشكل عام، بسبب ما يصفه مزارعون بأنه "جشع تجار". فقد امتنع التجار عن شراء المحاصيل مما أجبر الفلاحين على الرضوخ لهم، وبيعهم بأسعار متدنية جداً.

"أبو يوسف" من مزارعي قرية الغنطو، تحدث لـ"اقتصاد": "قلة الأمطار هذا العام انعكست سلباً على كمية محاصيل المزروعات البعلية مما أدى إلى ندرتها. رغم ذلك لا أحد من التجار يُقبل على شراء المحصول مما أدى لكساد المحاصيل وتدني الأسعار. والفلاحون مجبرون على البيع بأسعار متدنية لسداد الديون، فالزراعة مكلفة جداً والمحصول في أدنى مستوياته".

الشراء بكميات قليلة

وأثناء أزمة الكساد التي تحل بأسواق المحاصيل الزراعية يقوم التجار بشرائها، لكن بكميات قليلة، للحفاظ على تدني الأسعار، حسبما يعتقد فلاحون. فالتجار يشترون أكثر من 70% من الإنتاج الإجمالي بأسعار قليلة، ومن ثم يقومون برفع الأسعار قليلاً ليقدم المزارعون على بيع الثلث الباقي من المحصول.

"ناصر أبو خالد"، مزارع من مدينة الرستن، تحدث لـ"اقتصاد": "لقد بعت محصولي من الحبوب بأسعار متدنية، وأنا أعلم أن الأسعار سترتفع وأن التجار يلعبون بنا، لكن بعد أن تجني المحصول لا أحد يمكن أن يصبر على الدين، وأنا مضطر للبيع، لأسدد الديون المتراكمة".

القمح.. محصول استراتيجي

يعد القمح محصولاً استراتيجياً بامتياز بسبب الحصار المفروض على الريف الشمالي، لكن سياسة التجار ومؤسسة إكثار البذار والمحاكم الشرعية، كل تلك العوامل قد تجعل الفلاحين يمتنعون عن زراعة القمح في الأعوام المقبلة.

فمؤسسة إكثار البذار التابعة للمعارضة، امتنعت عن استلام القمح من المزارعين غير المتعاقدين معهم. والمحاكم الشرعية أصدرت قراراتها بمنع إخراج القمح خارج ريف حمص، مما أدى إلى كساد القمح وتدني أسعاره بشكل كبير تجعله تقريباً من الزراعات الخاسرة.

"أبو سليمان" من مزارعي مدينة تلبيسة تحدث لـ"اقتصاد": "لم أستطع الحصول على عقد مع الأمن الغذائي أو اكثار البذار بسبب محدودية العقود، والمحكمة الشرعية منعت خروج القمح خارج الريف، مما أدى إلى انخفاض الأسعار، فسعر الكيلو 130 ليرة ومع ضعف الإنتاج هذا العام، فإن المردود المادي بالكاد يغطي تكاليف الزراعة من ثمن بذار وتسميد وحصاد. فأنا شخصياً لن أزرع قمحاً في العام المقبل".

التجار يدفعون عنهم التهمة

وهكذا يعتقد الكثيرون في ريف حمص الشمالي، أن سياسة التجار وغياب رقابة الهيئات الثورية، تدفع المزارعين إلى الابتعاد عن الزراعات الاستراتيجية، حيث يبقى الفلاح هو المتضرر الأبرز.

لكن التجار لهم رأي آخر. فـ "محمد أبو عدي" من تجار الحبوب في ريف حمص الشمالي، تحدث لـ "اقتصاد": "نحن نعمل على الطلبيات لصالح تجار في مناطق النظام، فالريف المحاصر يحدد أفق عملنا بالشراء والتصدير إلى مناطق النظام. والصفة الغالبة على تجار ريف حمص الشمالي عدم توفر السيولة الكافية لتغطية طلبية لتاجر كبير، فتُقسم الطلبية على أكثر من تاجر صغير، فتكون عمليات الشراء بكميات صغيرة يتم تجميعها لتخرج خارج الريف".

يشار إلى أن أسعار المحاصيل الزراعية في ريف حمص الشمالي خلال الموسم الحالي، كانت كالتالي (بالكغ):

القمح 130 ليرة.
اليانسون 1200 ليرة.
الحمص 430 ليرة.

ترك تعليق

التعليق