عقربات.. قرية حدودية حوّلتها الحرب إلى مدينةٍ بحجم وطن


حوّلت الحرب السورية قرية "عقربات" الحدودية، والواقعة في ريف إدلب الشّمالي، من قرية بدائية في الخدمات، وقليلة من ناحية عدد السكان، إلى مركز استقطاب مهم للهاربين من جحيم الموت على يد نظام الأسد، والباحثين عن بوابة للحياة من أهالي مدن وقرى الجنوب والوسط والشّمال السوري، وكذلك الناجين من سواطير الذبح باسم الله شرق البلاد، حيث تنظيم "الدولة" وآلته القمعية.

حيث ازداد عدد سكان القرية إلى أكثر من 15 ألف نسمة، جلّهم من النازحين، تلك الزيادة في عدد السكان, ترافقت مع نهضة عمرانية، لم تقتصر على الحدود الإدارية للقرية، بل تعدتها لتصل في بعض الأحيان على بعد أمتار قليلة من الشريط الحدودي مع تركيا، إضافة إلى تحسن في الواقع الاقتصادي من خلال ازدياد عدد المحال التجارية.


لم تكُّ القرية تعدُّ في السابق، أكثر من 400 رجل، وامرأة، وطفل، في الشتاء، وما يزيد عن 700 نسمة في الصيف، حيث أن معظم أبناء القرية يعملون في المدن الكبرى (دمشق، حلب)، سواء في القطاعات الحكومية، أو الخاصة، فيما يعمل "عواجيز" القرية، إضافة إلى عدد قليل من الشبان بالزراعة، وخاصة "الزيتون"، وزراعة الخضار الموسمية.

ومن يقارن بين القرية في الأمس، والقرية اليوم، يجد ازدياد مساحة البناء فيها بنسبة تزيد عن 900%، حيث ابتلعت المساكن البيتونية، الأراضي الزراعية، وأصبحت هي السمة العامة للقرية؛ نتيجة تضاعف أعداد السكان لأكثر من 12 ضعف، عما قبل.


ويشير المختص في شؤون الإحصاء، ومنظم إحصاء سكاني في القرية، "حسن يوسف" خلال حديثه لـ"اقتصاد" إلى أنّ عدد أهالي القرية يبلغ حالياً، حوالي 5000 نسمة، موزعين على أكثر من 900 منزل، منتشرة ما بين مركز القرية القديمة، والأراضي الزراعية، والتلال المحيطة بها.

وبحسب "يوسف" فإنّ أعداد النازحين في المخيمات المحيطة بالقرية، يبلغ أكثر من 10 آلاف نسمة، معظمهم من حمص، والرقة، وريف حماة.


وتقول الحاجة "أم محمد"، وهي نازحة من مدينة الرقة، لـ"اقتصاد": "لقد اضطررت إلى النزوح إلى قرية عقربات، بعد أن لاحق تنظيم الدولة ابني، كونه كان يعمل مقاتلاً في حركة أحرار الشّام، وأباح دمه، حيث استأجرت منزلاً في هذه القرية، واستقريت فيها منذ عامين".

فيما تنتشر المحال التجارية في القرية، بشكلٍّ كبير، حيث تزيد عن 25 محل، متوزعة ما بين المواد الغذائية، والألبسة، والمحروقات، والقصابة، والخضار، والحلاقة، إضافة إلى المحروقات.


واللافت في الأمر أنّ القرية فيما قبل عام 2012، لم يكُّ فيها سوى محلين فقط لبيع المواد الغذائية، في وقت ينتظر سكانها ما يُسمى ببازار "الدانا"، والأخيرة تعتبر الناحية الإدارية للقرية، من أجل شراء الخضروات واللحوم، والألبسة، فضلاً عن حلاقة الشعر.

حيث كانت تصطف سيارتي "بيك آب"، وعدد من السرافيس، في شوارع القرية، يوم الاثنين من كل أسبوع، لنقل سكانها إلى بلدة "الدانا" من أجل شراء احتياجاتهم الدوائية، والغذائية، فضلاً عن الألبسة، إضافة لزيارتهم للحلاقين من أجل قص الشعر، وحلاقة الذقن.


أما اليوم فيختلف المشهد في عقربات، ويقول "أبو أحمد"، وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية في القرية، لـ"اقتصاد": "أعمل في هذا المحل منذ عام 2006، لم يكُّ في القرية أكثر من 70 عائلة في الشتاء، وحوالي 140 في الصيف، حيث كانت غلتي لا تتجاوز الألف ليرة في أحسن الأحوال، أما اليوم فغلة المحل تتجاوز في بعض الأحيان الـستين ألف ليرة سورية".

فيما اضطر "أبو محمود"، وهو حلاق، لفتح محل للحلاقة في القرية، بعد أن نزح من مدينة حلب، حيث كان يعمل حلاقاً فيها، ويقول لـ"اقتصاد": "في البداية، فكرت أنّ أزمة النزوح لن تتجاوز الشهرين، لكن المدة طالت، فقررت فتح محل للحلاقة، وهو ما كان، حيث كنت أول من يفتح محل للحلاقة في القرية، ثم تبعني 6 آخرين"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ تسعيرته لا تتجاوز 300 ليرة سورية.


كذلك يوجد اليوم في القرية عدد من العيادات الداخلية والسنية، إضافة إلى وجود مشفى تخصصي للأمراض العظمية، يُعتبر من أهم المشافي في الداخل السوري.

ويحاول المجلس المحلي بالتعاون مع عدد من المنظمات تقديم الخدمات لأهالي القرية، والنازحين إليها، لكن نظراً لقلة الموارد، فهم يؤمنون فقط مياه الشرب، النظافة، فما يقوم 3 مستثمرين للمولدات بتوزيع "الأمبيرات" على منازل القرية، مقابل مبالغ مالية تزيد عن 2500 للأمبير في الشّهر الواحد.


هذا، واختلفت روايات أهالي القرية، عن أصل تسميتها، لكن الرواية الأكثر تداولاً، تقول إنّ الاسم جاء من كلة "عرق" وفعل "بات"، والمقصود فيها تخمير العنب، حتّى يتحوّل إلى نبيذ، وهو ما تأكده اكتشافات عدد من فلاحي القرية لخمارات حجرية في أراضيهم، ومنهم من يشير إلى كون الرومان قصدوها في عصور غابرة، حيث وجد في آبارها عدداً من الجثث التي يقال أنها رومانية، لكن لم يجري أي تأريخ للقرية حتّى الآن.


وتعرف القرية في محيطها, ببلدة الهدوء، والهواء العليل، حيث تقع على تلة جبلية، وسط مجموعة من التلال التي تحيط بها، ويُعرف أهلها بالطيبة والثقافة، حيث أنّها لم تشهد منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011 وحتّى الآن، أي مشكلة، استخدم فيها السلاح، سواء الفردي أو الثقيل، بالرغم من موجات النزوح الكبيرة, التي قصدتها من عموم أنحاء البلاد.


ترك تعليق

التعليق