نجيب ميقاتي ودوره في دعم نظام الأسد اقتصادياً


في نهاية العام 2006، وخلال التحضيرات لإطلاق تلفزيون "الدنيا"، أصر الكثير من العاملين أن يعرفوا من هم الممولون قبل البدء بالعمل، خوفاً من أن تكون هناك جهة معادية تقوم بالتمويل.. تهربت إدارة التلفزيون في البداية، لكنها فيما بعد أعلنت وعلى الملأ بأن الممولين هم ستة رجال أعمال سوريين، وهناك شخص سابع طلب عدم الكشف عن هويته واسمه تحت أي ظرف وهي مضطرة لأن ترضخ لرغبته.. لكنها طمأنت الجميع بأنه شخصية وطنية..!!

أما رجال الأعمال السوريين الستة، فكانوا، عماد غريواتي، محمد حمشو، عمر كركور، أيمن جابر، سليمان معروف، نبيل طعمة، وكان يدفع كل منهم شهرياً لتشغيل التلفزيون مبلغ 150 ألف دولار أي ما مجموعه 900 ألف دولار شهرياً، بينما كانت الميزانية التشغيلية الشهرية للتلفزيون في بداية تأسيسه أكثر من 1.5 مليون دولار.. بمعنى أن الفارق بين هذين الرقمين كان يدفعه الشخص السابع الذي تحفظت إدارة التلفزيون على اسمه.

ثم لم تطل الأيام كثيراً حتى تبين أن هذا الشخص لم يكن سوى نجيب ميقاتي. واللافت أنه كان يدفع كل هذا المبلغ الذي يقارب النصف، ودون أن يكون له أي دور في مجلس إدارة التلفزيون، ودون أن يكون له أي ممثل عنه يتابع مع باقي الشركاء تفاصيل العمل والسياسة الإعلامية للتلفزيون، وهو أمر اتضح مغزاه فيما بعد عندما تبين أن سياسة التلفزيون تقوم على تقديم الدعم المطلق لحزب الله، ومهاجمة الأنظمة العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.. لذلك من الطبيعي أن يطلب نجيب ميقاتي عدم ورود اسمه بتاتاً في قائمة ممولي التلفزيون.. وليس زهداً وطنياً كما حاولت الإدارة أن تقول..!!

في الحقيقة، أن نجيب ميقاتي كان أحد رجال الأعمال الذين اعتمد عليهم بشار الأسد في مطلع حكمه لبلورة مشروعه الاقتصادي العائلي والقائم على المقربين والموثوقين منه، وفي صورة تشبه تركيبة الجبهة الوطنية التقدمية على المستوى السياسي، لهذا عندما تم إطلاق مشروع الخليوي في سوريا، لم يجد بشار الأسد أفضل من نجيب ميقاتي ليكون الواجهة الشكلية المنافسة لرامي مخلوف عندما عهد إليه برخصة المشغل الثاني "إم تي إن" .. أما ثمن هذا الامتياز فكان بدون شك تقديم الدعم المطلق للنظام اقتصادياً وسياسياً على أن يرد النظام هذا الدعم بدعم آخر.

كان بشار الأسد وبالتفاهم مع حزب الله، يخطط لإيجاد بديل "سني" ومنافس قوي لعائلة الحريري في لبنان، وهو ما وجده في عائلة ميقاتي التي تمتلك مزايا اقتصادية لا تقل أهمية عن عائلة الحريري، وبنفس الوقت ليس لديها طموح سياسي تمردي أو تسعى للزعامة السياسية على السنة، وإنما جل ما يعنيها هو مصالحها الاقتصادية .. غير أن بشار وحزب الله، سعيا لتنمية هذا الطموح لدى نجيب ميقاتي عندما أوصلوه إلى رئاسة الحكومة نهاية العام 2011، وبما يشبه الانقلاب على حكومة سعد الحريري.

أما الثمن الذي حصل عليه بشار من هذا الدعم، فكان أول طعنة واضحة من لبنان عندما وقف ضد قرار تجميد عضوية النظام في جامعة الدول العربية، ثم حاول النظام عبر نجيب ميقاتي تفتيت الطائفة السنية في لبنان، وخلق صراع داخلها في مدينة طرابلس على وجه الخصوص، والتي كانت من أبرز الداعمين للثورة السورية، إلا أن النظام وحزب الله لم يفلحا في هذا المسعى، نظراً لأن نجيب ميقاتي وإخوته وعائلته، لم يعملوا منذ البداية على الزعامة السياسية كما فعلت عائلة الحريري، بالإضافة إلى أن مشاعر الكره تجاه النظام السوري وحزب الله، جعلت أهل طرابلس متماسكين ضد أي محاولات لتفتيتهم.

وفي النهاية، صحيح أن نجيب ميقاتي فشل إلى حد ما في تقديم الدعم السياسي المطلوب للنظام، إلا أن الدور الاقتصادي الذي لعبه كان أهم بكثير، فهو كان الأداة التي استخدمها النظام، بالإضافة إلى أخيه طه ميقاتي، للتهرب من العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية المفروضة على رجالاته، كما استطاع من خلاله أن يبقي جنوب أفريقيا داعماً له، بفضل ما يملكه من استثمارات كبيرة وعلاقة مهمة مع سياسي هذا البلد، هذا فضلاً عن الدعم المالي المباشر لفرق الشبيحة لقمع الثورة السورية إذ تشير المعلومات إلى أن عائلة ميقاتي لعبت دوراً وبالخفاء في تمويل الكثير من هذه الفرق وتدريبها ومدها بكل الأدوات القمعية.

ترك تعليق

التعليق