"دُلّني على السوق"


"البداية من الصفر"، هذه هي الحكاية التي تتكرر دوماً عبر الحروب بظروفها الصعبة وأزماتها الاقتصادية التي تجبر الكثيرين للعودة من حيث بدؤوا، وما أكثرها في عصرنا الحالي.

حول هذا الموضوع حاور "اقتصاد" خبير إدارة المشاريع الصغيرة وصناعة الأسواق، محمد السعيد، الذي أكد أنه ما زال ينقصنا الكثير من التعلم في عالمنا العربي على ثقافة "دلني على السوق"، المصطلح الذي ظهر حين قدم الصحابي عبد الرحمن بن عوف المدينة مهاجراً تاركاً وراءه كل ما يملك في مكة، فعُرِضَت عليه المساعدة المالية، فقال قولته المشهورة "دلني على السوق".

وهي ثقافة تعتبر الحل الأمثل لمشكلة البطالة في أوقات السلم، وهي المنقذ في أوقات الحرب واللجوء، وذلك كونها تعتمد على قدرة الإنسان على تبديل مهنته كلياً والبدء بمهنة مختلفة جذرياً أو البداية في مهنته ذاتها من جديد لكن من الصفر. وهي من أقوى دعائم الاقتصاد على مستوى الأفراد.

وقد أشار السعيد إلى أن هذه الثقافة أكثر ما يحتاجه السوريون في ظروفهم وخاصة أنهم في الغالب إما نازحون أو مهجرون في الداخل، خلّفوا وراءهم أعمالهم ومتاجرهم، أو لاجئون اضطروا لترك كل ما يملكون، فمنهم من استطاع كسر حاجز العجز وبدؤوا مشاريعهم الخاصة من جديد، ومنهم ما يزال عاجزاً عن إيجاد عمل تبعاً للظروف المحيطة بهم.

لذلك يقول السعيد بأن الحل الأمثل هو في بحث كل شخص عن عمل مناسب له يحبه، ولو لم يتقنه، يتدرب عليه يتعلمه، ثم يكون مصدر رزق له.

وعلى الصعيد العملي، يرى السعيد ذلك مختصراً في دورة تدريبية بعنوان "دلني على السوق"، تسبر مواهب الأشخاص وميولهم على قاعدة أن كل إنسان يستطيع إتقان مهنة أو حرفة معينة، ثم يتم فرز المتدربين حسب المهنة المختارة، ثم يتعلم أساسياتها وبعدها تأتي المرحلة الثانية وهي صناعة الأسواق واختيار المنتج الأفضل للسوق، ويتم ذلك من خلال تعاون المتدربين في نفس المهنة فيشكلون دائرة ومن ثم يتعاونون مع الدوائر الأخرى في باقي المهن فيكملون بعضهم البعض.

يختم السعيد حديثه لـ "اقتصاد" بأن كل إنسان قادر على التميز والإبداع في مجال ما، لكن يحتاج أحد ليساعده في ذلك، والأمثلة حسب قوله أكثر من أن تذكر، فهناك الكثيرون ممن دربهم لم يكونوا يعلمون شيئاً عن مهنة صعبة مثل الموزاييك، لكنهم أبدعوا بها وهذا دليل على قدرة أي شخص أن يبدأ مشروعه الاقتصادي من جديد.

ومن أبرز الأمثلة التي حاورها "اقتصاد" حول هذا الموضوع هو طبيب الأسنان سابقاً، معلم الكهرباء لاحقاً، "يزن"، الذي تخرج طبيب أسنان في الأردن، لكنه لم يستطع العمل في مهنته، لأنها مغلقة، فوجد أنه لابد من مصدر عيش جديد.

يشير يزن إلى أنه مولع بالكهرباء من صغره، فقرر تعلم المهنة، وفعلاً استدل على ورشة كهرباء، وواظب على العمل بها سنة ونصف، استطاع بعدها أن يستلم ورشات لنفسه، ويؤمن عيشاً كريماً له.

يضيف يزن أنه لو بقي أسير كلمة "دكتور"، ولم يفكر في حل، لكان الآن في حالة نفسية واقتصادية يرثى لها، فكان لابد من بداية جديدة.

ترك تعليق

التعليق