رمضان في درعا.. شهر الذكريات الموجعة والطقوس المغيبة
- بواسطة خاص - اقتصاد --
- 04 حزيران 2017 --
- 0 تعليقات
للعام السابع على التوالي، تغيَب الحرب الدائرة في البلاد أجمل الطقوس الرمضانية الموروثة التي اعتاد عليها الشعب السوري بشكل عام، وأهالي درعا بشكل خاص، والتي دائماً ما ارتبطت بشهر رمضان الفضيل الذي كانت تعد العدة لاستقباله قبل حلوله بعدة أيام.
ويقول الستيني أبو محمد، 65 عاماً، مدرس متقاعد، "رمضان هذا العام جاء بدون حفاوة استقبال كما قبله من السنوات السابقة من عمر الثورة، فبدا باهتاً منقوصاً، وذلك بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي أصبح يعاني منها السواد الأعظم من الشعب السوري، الذي أفقدته الحرب الطاحنة التي تشهدها البلاد كل مدخراته، وإمكانيات عيشه واستمراره".
وأشار إلى أن "الأسواق في معظم قرى حوران المحررة، تزدحم بالبضائع والمواد الاستهلاكية، وتحوي كل احتياجات المواطنين لشهر رمضان الفضيل، لكن لا يوجد الأموال الكافية لدى المواطنين لشرائها"، لافتاً إلى أن المواطن يتمنى أن يشتري كل احتياجاته، لكنه يقف عاجزاً أمام ضعف الإمكانات المادية التي لم يعد يملك منها شيئاً.
وقال: "في السابق كان الكل تقريباً قادر على تأمين معظم احتياجاته الأساسية بالحد الأدنى، رغم حالة الفقر التي عانى منها الشعب السوري ردحاً من الزمن، لكن الآن قلة قليلة من يستطيع ذلك، ومعظم رواد هذه الأسواق هم من الزبائن الذين يتمتعون بقدر مقبول من الاستقرار المالي، كمقاتلي الفصائل، وبعض الموظفين وصغار المنتجين أو بعض الأشخاص الذين يحصلون على مساعدات ثابتة من ذويهم المغتربين، الذين وجدوا مداخيل ثابتة نسبياً، تؤمن لهم شراء بعض الاحتياجات الأساسية".
وأضاف أن "رمضان في السابق كان يشهد تحضيرات تبدأ قبل أسبوع من حلوله، وترصد له موازنات مالية خاصة يشتري المواطن بها كميات كبيرة من الطعام ويقوم بتخزينها وتموينها. لكنه الآن بالكاد يؤمن قوت يومه، بعد أن دمرت الحرب كل إمكانات ومقدرات البلد، وأصبح المواطن يبحث عما يسد رمقه، بعيداً عن أية خيارات أو تنويع بأصناف الطعام".
وتقول السيدة أم عبد الله، 55 عاماً، "تغير كل شيء في حياتنا. كنا في رمضان نشتري كميات كبيرة من الطعام، ونعد لإفطار رمضان عدة أطباق مختلفة، أما الآن فأصبحنا نكتفي بطبقين وبأقل الأسعار وأرخصها، لأننا بتنا لا نملك المال الكافي لشراء المواد".
وقالت: "كنا قبل الثورة نعيش في بحبوحة، وكان لدينا معامل صناعة بلوك وبلاط إنتاجها كبير، وساترة علينا، لكننا فقدناها بعد أن دمرتها قوات النظام خلال احتلالها لبلدتي عتمان"، لافتة إلى أنها تعيش في بلدة المزيريب مع ما تبقى من أسرتها المكونة من ثلاث بنات، وشاب في العشرين من العمر، وأن كل ما كان قد حوشته وما وفرته، أنفقته خلال السنوات الماضية، بعد أن فقدت زوجها وواحداً من أبنائها المعيلين الأساسيين للأسرة.
وتقول السيدة سعاد العبد الرحمن، 35 عاماً، "أصبحنا نشتهي اللحوم التي نفتقدها على موائدنا الرمضانية بسبب ارتفاع أسعارها /ما بين 3500 و 5000 للكغ/، وقلة الإمكانات المادية المتوفرة"، لافتة إلى أنها باتت تكتفي بالخضار الرخيصة وبعض البقوليات على مائدتها الرمضانية، أما الحلويات والعصائر فلم تعد تجدها أساسية.
وأضافت: "نحن أسرة مكونة من خمسة أفراد وراتب زوجي الموظف في إحدى الدوائر الحكومية لا يتجاوز 35 ألف ليرة سورية، ماذا نفعل بها أمام هذا الغلاء؟".
وأردفت أن "الطعام بالنسبة لنا لم يعد شهوة للتلذذ به، بل وسيلة لسد الجوع ليس أكثر".
فيما أكد عبد الرؤوف، 30 عاماً، وهو عسكري منشق ورب أسرة مكونة من ثلاثة أفراد، أنه عامل مياوم، وأن دخله لا يتجاوز 2000 ليرة سورية، هذا إن وجد عملاً مستمراً، مشيراً إلى أنه يحاول العيش بأقل الإمكانيات المادية المتوفرة، ولا مجال لديه لخيارات في شراء الطعام.
وأضاف: "طعامي الأساسي خلال رمضان صنف واحد من الخضار فقط لاغير، وشوربة العدس"، لافتاً إلى أنه يجوب يومياً كل بسطات الخضار في بلده ليحصل على أرخصها سعراً.
فيما تتحسر أم عدنان، 65 عاماً، على الأيام الخوالي، وتقول: "كان رمضان بالنسبة لنا فرحة ما بعدها فرحة، فعدا عن كونه شهر عبادة كان شهر طقوس جميلة، وتواصل ورحمة، تكثر فيه السهرات والزيارات بين الأرحام واللمات الحلوة"، لافتة إلى أن بيتها الذي تعيش فيه مع زوجها أبو عدنان وأسرة ابنها غياث المعتقل منذ ثلاث سنوات، كان يمتلئ بأولادها وبناتها وأحفادها طيلة أيام الشهر الفضيل.
وأردفت: "أما الآن فإن أسرتي الكبيرة توزعت ما بين لاجئ ونازح ومعتقل وفقيد، ولم يتبق لي من تلك الأسرة إلا الذكريات والحسرات"، مشيرة إلى أنها فقدت ابنها /نصار/ منذ بداية الثورة على أيدي قوات النظام، فيما لجأ عدنان وغسان وأسرتيهما إلى الأردن، ومن ثم إلى ألمانيا وكندا."
ويقول قصي الأحمد، 30 عاماً، تاجر مواد استهلاكية، "عندما تجول في الأسواق تجد كل شيء متوفر وبأسعار مقبولة مقارنة مع العام الماضي، لكن الناس فقراء ومعدمين بسبب عدم وجود فرص عمل"، موضحاً أن عمل المواطن السوري أصبح يتركز على الأعمال التجارية الخفيفة كتجارة المشتقات النفطية وبسطات الخضار والفواكه وبيع المواد الاستهلاكية، فيما توقفت باقي القطاعات عن الإنتاج بشكل كامل.
وأشار إلى أن "مداخيل هذه الأعمال قليلة وهي بالكاد تكفي لسد الاحتياجات اليومية المتنامية للأسر"، مبيناً أن الكثير من الطقوس الرمضانية العريقة والموروثة غابت عن حياة المواطنين خلال الحرب، فلم تعد تشاهد مثلاً /سكبة الجيران/ والصحون المليئة بالطعام التي تتناقل بين الجيران قبيل آذان المغرب، كما غابت العزائم والولائم واللمات الكبيرة، وموائد رمضان والسهرات التي كانت تستمر حتى السحور، كما غابت الجموع الكبيرة عن صلاة التراويح في المساجد، وغاب المسحراتي بطبلته والأكلات الموروثة كالمنسف والمقلوبة، كل ذلك بسبب الأوضاع الأمنية السيئة، وحالة الفقر التي جلبتها الحرب وويلاتها.
رمضان في درعا نسخة مكررة عن باقي السنوات الست السابقة، مليء بالحسرات والذكريات الموجعة، طقوسه تتناقص عاماً بعد عام، ورغم ذلك يبقى شهر عبادة وتقوى وتراحم، يحاول الناس قدر الإمكان الحفاظ على ما أمكن من طقوسه الروحية والاحتفالية.
التعليق