بسبب ظروف الحرب.. مهنة الحلاق الجوال تعود إلى ريف حمص الشمالي


أعادت ظروف الحرب إلى الواجهة مهنة الحلاق الجوال التي كادت أن تندثر في السنوات الماضية وذلك مع حاجة الجرحى والمصابين لقص شعورهم وعدم تمكنهم من الحركة أو الذهاب إلى صالونات الحلاقة.

 وكان الحلاقون الجوالون فيما مضى يحملون حقائبهم السوداء المحملة بعدة الشغل من مقصات وأمشاط ومرايا وزيوت شعر محضَّرة يدوياً وقطع "الشبَّة" ويتجولون على أقدامهم في الشوارع والأزقة وبين القرى أيضاً، وربما ظلوا أكثر من أسبوع أو أسبوعين خارج منازلهم وهم يتنقلون من مكان إلى آخر بحثاً عن لقمة العيش التي يقطفونها من رؤوس الناس.

 واندثرت هذه المهنة الطريفة في العقود الأخيرة مع افتتاح صالونات ومحلات الحلاقة وتيسير سبل الحياة غير أن ظروف الحرب أعادت المهنة إلى الواجهة وبدأ الحلاقون بالتجوال وزيارة البيوت لقص شعور أهلها وخاصة من ابتلي منهم بإصابة أقعدته عن الحركة.

"أبو أيمن الصفدي" حلاق قديم من حي الخالدية دأب منذ بداية نزوجه على ممارسة مهنته مشياً على الأقدام والتجول في بلدات ريف حمص الشمالي المحرر كل يوم حاملاً حقيبته التي تضم عدة الشغل من مقصات وأمشاط وزجاجات الكولونيا ومناشف الزبائن ويدخل بعض البيوت تلبية لطلب أصحابها وعندما يتعب من تجواله يدلف إلى أقرب بقالية ليأخذ قيلولة وربما مارس عمله فيها أيضاً.

 وروى الصفدي لـ "اقتصاد" جوانب من تاريخ مهنته سابقاً، إذ كان -كما يقول- يجوب القرى والأرياف حاملاً عدة الشغل ويحلق للفلاحين في منازلهم أو ربما في مزارعهم، وربما اجتمع أكثر من زبون في منزل المختار فيقوم بحلاقة رؤوسهم، وكان يحلق لزبائنه ليلاً على ضوء سراج الكاز، ثم أصبح يحلق على "اللوكس" قبل أن تدخل الكهرباء إلى القرى السورية وكان-كما يقول- يتقاضى بعض البيض البلدي مقابل أجرته.

ويشكو الصفدي من كساد مهنته اليوم بسبب ظروف الحرب والحصار وضيق الحالة الاقتصادية للناس، علاوة على أن الأذواق اختلفت–كما يقول- إذ يرفض الشبان تسليم رؤوسهم للحلاق التقليدي لأنهم يرغبون عادة بقصات الموضة (المودرن) كــ"فيرزاتشي" و"البانكي" و”المارينز" التي لا يجيدها، ولذلك فأغلب زبائنه من كبار السن والأطفال وممن أجبرتهم الظروف على البقاء في المنازل.

وبدوره قال أبو وليد الذي يزاول مهنة الحلاقة منذ أكثر من ستين عاماً ويعيش كنازح في مدينة تلبيسة لـ"اقتصاد" إن الحلاقين فيما مضى كانوا يمارسون أكثر من عمل أثناء الحلاقة حيث يجرون للزبون الفصادة أو الحجامة (كاسات الهواء) ويعالجون أمراض "بنات الأذنين" ورفعها وقطعها أحياناً ومن هنا شاع المثل الشعبي (بيكون عم يحلق بيصير يقلِّع أضراس) كناية عن الشخص الذي يشغل نفسه بأمور عدة في وقت واحد.

 وكان الحلاق-كما يروي-يحلق لزبائنه على كرسي خيزران له مسند متحرك يُوضع خلف رقبة الزبون ليستند عليه، وأمام هذا الكرسي كرسي آخر صغير يُوضع تحت قدميه، ولا يزال بعض الحلاقين القدامى يحتفظون بهذه الكراسي القديمة كذكرى عزيزة من أيام الماضي الجميل.

وأضاف محدثنا أن الحلاق الجوال في الماضي كان يحلق للناس مقابل مد حنطة أو مد ونصف مد ذرة صفراء أو خمس ليرات سورية للشخص الواحد طوال عام كامل وكل ولدين بحلاقة رجل واحد. هذا بالنسبة للقرى والأرياف، أما بالنسبة للمدينة فكان قص الشعر-كما يؤكد- بنصف ليرة سورية والذقن بربع ليرة، وحلاقة الولد بربع ليرة تُدفع مباشرة، وأصبحت حلاقة الرجل بعد سنوات بليرة سورية و"قش الذقن" بنصف ليرة-كما يقول- وهناك من الزبائن من يحلق بمعدل ثلاث مرات شهرياً ويدفع له خمس ليرات في نهاية كل شهر.

 ويتابع أبو وليد وهو يسرد جوانب من تاريخ المهنة في الماضي أن"الحلاقة كانت تتم سابقاً بموسى (الكرة الألماني الأخرس) أي بلا صوت وبموسى ( أمريكي أو أوروبي) يُسمع صوته على مسافة أمتار، وبعد فترة من الاستعمال يقوم الحلاق بسن الموسى على قطعة جلدية تُدعى "الآيش" من الجلد الحيواني ( جلد جاموس أو جمل).

ترك تعليق

التعليق