تفاصيل عن "التهجير الصامت" بدمشق


ألقى "أبو محمد المزاوي"-اسم مستعار- نظرة وداع أخيرة على منزله وبستانه اللذين أُرغم على تركهما بعد أن عاش فيهما مع عائلته سنوات طويلة ليصبح بلا منزل أو مصدر رزق حاله كحال المئات من أبناء منطقة شرقي المزة أو ما تُعرف بـ"بساتين المزة" وبساتين كفر سوسة الذين أجبروا على إخلاء أملاكهم بموجب قرار تعسفي أُطلق عليه المرسوم 66 صدر عن حكومة الأسد العام 2012.

 وأفاد ناشطون أن قوات النظام أجلت أكثر من 70% من عائلات هاتين المنطقتين اللتين يبلغ عدد سكانهما 150000 نسمة مقابل القليل من المال بحجة تنفيذ المرسوم الجائر والقاضي بتهجير سكان المنطقة الأصليين بذريعة التطوير وإعادة الإعمار، ولكن المخطط يخفي وراءه -بحسب ناشطين- محاولات خبيثة لإحداث تغيير ديموغرافي لطالما راود النظام خلال العقود الماضية في سيناريو يذكّر بما فعله النظام في حي الأربعين وسط مدينة حمص منذ أكثر من ربع قرن وحي الحمزاوي في وسط دمشق في التسعينات من القرن الماضي.


 ومن المتوقع أن يتضمن هذا المشروع الذي يتم عبر شركات إيرانية وبتمويل إيراني، 33 محضراً استثمارياً بارتفاعات تصل إلى 50 طابقاً.

 وتداول ناشطون خريطة بواسطة "إيرث غوغل" تظهر المنطقتين قبل عام 2014 وبعد 7/ 2/ 2017 وتبدو فيها عشرات المنازل والعقارات والمحال ذات الملكية الخاصة التي وضع النظام يده عليها.


وأشار رئيس المجلس المحلي بمحافظة دمشق الحرة "عاطف أبو الخير" لـ"اقتصاد" إلى أن التغيير الديموغرافي بدمشق ليس بجديد إذ بدأ منذ عهد حافظ الأسد الذي لجأ فيما مضى لوسائل ناعمة وغير معلومة بدأت بزرع المقامات المزعومة حول وداخل دمشق واستقطاب الشيعة وشراء النفوس الضعيفة التي تساعدهم على التملك والاستيطان.

 وبدأ التطبيق العملي للخطة –كما يقول محدثنا- مع بدء ثورة الكرامة واندلاعها وسط دمشق خصوصاً عندما كانت أحياء المزة وكفرسوسة والميدان قلب الثورة حينها، هذا ما دفع النظام إلى القيام بخطوات نارية بهدف استئصال الثورة وتوطين الشيعة.

وصدر أواخر عام 2012 مرسوم من حكومة النظام ظاهره التنظيم العمراني وباطنه تهجير قسري وممنهج لأصحاب الأرض في كفر سوسة والمزة الملاصقتين لبعضهما.


وأكد محدثنا أن "حكومة الأسد قدّرت حصة كل مالك من الأسهم في المنطقتين المذكورتين بأسعار زهيدة وله الحرية ببيعها أو إبقائها، ولأن هذه الأسهم قليلة لا تكاد تغطي نفقات إنشاء غرفة مستقبلاً يضطر لبيعها".

 وأردف أبو الخير أن محافظة دمشق قامت بالفعل بإخلاء القاطنين وبدأت بتنفيذ المشروع وشق الطرقات وجرف البساتين، وهناك اليوم-كما يؤكد- مرحلة ثانية من هذا المشروع لإخلاء القاطنين لافتاً إلى أن المبالغ الزهيدة التي تعطى للملاك لا تكفي لشراء حظيرة أو استئجارها، ووجد معظم المالكين أنفسهم مجبرين على البيع لأنهم–حسب قوله- لا يستطيعون انتظار سنوات من بناء الأبراج، هذا عدا عن أن حصصهم صغيرة وسيكون لديهم الخيار بشراء أسهم آخرين وهذا شبه مستحيل في ظل ظروف الحرب، مما اضطر الكثير منهم للسكن في أرياف بعيدة في محافظة دمشق، وبعضهم اختار الانتقال إلى ريف إدلب حتى كادت المنطقتان أن تخلوا من سكانهما البالغ عددهم أكثر من 150 ألفاً.


وأكد محدثنا أن أقل من 30% من السكان لا زالوا متشبثين بالبقاء ولكن الأمل ضعيف جداً فالنظام قطع الخدمات كالكهرباء والماء عن تلك المنطقة لدفعهم للرحيل وكذلك أوقف فرن الخبز المتواحد هناك.

وأشار أبو الخير إلى أن سرعة تنفيذ المشروع المزمع إنشاؤه في مناطق راقية من دمشق وترك منطقة المزة 86 وهو حي يعج بالعشوائيات ويسكنه أغلبية علوية يشير بوضوح إلى أن المخطط طائفي بامتياز.

 ولفت أبو الخير إلى أن أحداً من الملّاك لا يستطيع الاعتراض أو القيام بشيء فهنالك سطوة أمنية قوية في هذه الأحياء، وعجز كبير عن تقديم أي شيء لهم خصوصاً في هذا الظرف الخطر من عمر الثورة السورية.


وأكد محدثنا أن أهالي المنطقتين المستولى عليهما من النظام تعرضوا للظلم من ناحيتين لأن المشروع المزمع إنشاؤه إجباري أولاً، ولأن حصص التعويض التي تم تقديرها بخسة جداً حيث قُدر سعر القصبة بـ 2 مليون ليرة سورية بينما سعرها الطبيعي في السوق الحرة يصل لـ 35 مليون ليرة.

 وأضاف محدثنا أن "جميع أصحاب الأملاك التي استولي عليها من غير المتواجدين فيها ومن المعتقلين أو ممن شاركوا في الثورة، تم الحجز على أملاكهم ومُنعَ ورثتهم من المطالبة بحقوقهم ظلماً وعدواناً".

ونص المرسوم التسلطي الذي حمل الرقم 66 والذي صدر عام 2012 على مرحلتين لتنظيم ما يعادل 10% من مساحة العاصمة، المرحلة الأولى تشمل تنظيم منطقة شرقي المزة، التي تضم المناطق الواقعة شمالي المتحلق الجنوبي في المزة وكفرسوسة، مساحتها 214 هكتاراً، أما المرحلة الثانية فتشمل مناطق جنوبي المتحلق في المزة وكفر سوسة وقنوات بساتين وداريا والقدم، التي تقارب مساحتها الـ880 هكتاراً.

ترك تعليق

التعليق