نتاج الألغام في درعا.. إنساني واقتصادي
- بواسطة خاص - اقتصاد --
- 05 أيار 2017 --
- 0 تعليقات
يجلس الثلاثيني، أحمد، شارد الذهن، يضع أمامه لوحاً من الخشب مغطى بقطعة قماش، يفرش عليه بعناية واضحة عدداً من علب الدخان السوري والأجنبي المتنوعة، بينما إلى جانبه تتوضع علبة من الكرتون، أخفى فيها عدداً من كروزات الدخان، وإلى جانب العلبة كان هناك عكازان معدنيان، يستعين بهما في مسيره، بعد أن بُتر ساقه الأيسر من الركبة، نتيجة لغم أرضي.
ويقول أحمد: "قبل ثلاثة أعوام من الآن، كانت لي ساق طبيعية، أمشي عليها كباقي البشر، لكن حاجتي للعمل دفعت بحظي العاثر إلى استئجار إحدى القطع الزراعية القريبة من موقع لقوات النظام".
وأضاف: "بينما كنت أعاين الأرض وأسير فيها لأحضّرها للزراعة، انفجر بي لغم أرضي من بقايا الألغام التي زرعتها تلك القوات قبل رحيلها، ففتَتَ ساقي، الأمر الذي دفع الأطباء في المشفى الميداني في منطقتي إلى بتره، لأتحول بعدها من عامل نشيط يفلح ويزرع ويقلع، إلى معاق يسير بعكاز، ويعيش من بسطة دخان. الحمد لله على كل حال".
وعقّب: "أحصل يومياً من عملي هذا على قوت أسرتي المكونة من أربعة أفراد"، مشيراً إلى أنه كان قبل ذلك يمارس كل الأعمال، وينتج أضعاف ما ينتجه الآن رغم قلة جبهات العمل. وأردف: "تفاقيده رحمة".
يعلّق الناشط أبو عمار الحوراني على ذلك قائلاً: "الأعمال العسكرية التي شهدتها محافظة درعا وما خلفته قوات النظام من الألغام الفردية التي زرعتها في الأراضي الزراعية القريبة من مناطقها ومواقعها، إضافة إلى القنابل العنقودية التي ألقتها الطائرات الحربية الروسية، تسببت بعشرات الضحايا ومئات الإصابات بين المواطنين".
وأضاف: "أخرجت تلك الألغام أيضاً مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من دورة الإنتاج الزراعي والاقتصادي وفوتت على الفلاحين استثمار أراضيهم التي هم في أشد الحاجة لمداخليها الآن، وذلك بعد أن هجروها خوفاً من بقايا الألغام التي لم يعرف أحد توزعها أو أماكن انتشارها، ما أضاف عبئاً اقتصادياً على كاهل الفلاحين، الذين فقد بعضهم موارده الاقتصادية الأساسية"، لافتاً إلى أن معظم الأراضي الزراعية التي كانت مراكزاً لقوات النظام أو قريبة منها، أصبحت مهجورة، وذلك بعد أن راح ضحيتها العشرات من المدنيين خلال مرورهم فيها أو خلال قيامهم بالعمل في الحقول الزراعية القريبة منها.
وأضاف أن "الألغام والقنابل العنقودية تسببت بجيش من المعاقين بسبب الإصابات التي أدت إلى عمليات بتر في الأطراف"، مبيناً أن الإحصائيات في المحافظة تشير إلى تسجيل مئات الحالات والإصابات، سواء نتيجة الألغام، أو نتيجة الإصابات بقصف قوات النظام للمناطق الآهلة بالسكان.
وأشار إلى أن جهوداً كبيرة بذل من جانب الفعاليات في المحافظة لمعرفة أماكن هذه الألغام ونزعها، لكنها ليست كافية، بسبب اتساع المساحات التي تنتشر فيه الألغام، وعدم وجود خرائط دقيقة لها.
وقال أبو قاسم، 55 عاماً، فلاح من ريف درعا الغربي، "أملك قطعة أرض تقدر بنحو 15 دونماً، وهي تقع بالقرب من أحد المواقع العسكرية التابعة للواء 61 في ريف درعا الغربي. حاولت استثمارها بعد خروج الجيش النظامي منها، لكن انفجر فيها أحد الألغام وقطع ساق ابني، فعدلت عن استثمارها".
وأضاف أنه كما غيره، من عشرات المزارعين في المنطقة، أصبحوا غير قادرين على استثمار مئات الدونمات من الأراضي الزراعية بسبب انتشار الألغام فيها، مشيراً إلى أن قطعة الأرض هذه كانت تشكل أهم مصادر الدخل لديه، إذ كانت بسبب قربها من أحد السدود تزرع بمختلف أنواع الخضار، إضافة إلى أنها كانت تؤمن فرص عمل لكل أفراد أسرته، الذين أصبحوا يعملون الآن كعمال موسميين.
ودعا "أبو قاسم" الجهات الفاعلة في المناطق المحررة إلى الاهتمام بهذه الأراضي ومحاولة إعادتها إلى دورة الإنتاج الطبيعية من خلال العمل على نزع الألغام منها بالطرق المناسبة، وتحديد المناطق التي تنتشر فيها، وذلك للحفاظ على حياة الناس.
من جهته، قال أبو حيدر، ضابط منشق، وهو أحد المهتمين والمختصين في مجال الألغام، إن هناك جهات تهتم بمسألة الألغام وضحاياها، وهي مختصة بنزع الألغام وبالتوعية لأخطارها، لكن جهودها غير كافية، بسبب المساحات الكبيرة التي تنتشر فيها الألغام، وبسبب ضعف الإمكانات المتاحة للتعامل مع هذا الكم الهائل من الألغام.
وأشار إلى أن "المراكز المختصة بنزع الألغام والدفاع المدني وسرايا الهندسة في الفصائل المسلحة في المحافظة، تعمل على مسارين، الأول توعية السكان ولاسيما الأطفال بأخطار الألغام وسبل الوقاية منها"، لافتاً إلى أن تلك المراكز أقامت عدة دورات، ونشرت الكثير من البروشورات ونشرات التوعية حول الألغام وكيفية التعامل معها، استفاد منها الكثيرون من أبناء المحافظة.
واستطرد: "المسار الثاني الذي يتم العمل عليه هو تأهيل بعض الاختصاصيين للعمل في مجال نزع الألغام للقيام"، مؤكداً أنه تم نزع أعداد كبيرة من الألغام من عدة مناطق في ريف درعا التي كانت مراكز عسكرية وتم تلغيمها قبل خروج القوات العسكرية منها.
وأشار إلى أن قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها، زرعت مناطق كثيرة بالألغام المموهة، والتي تتشابه مع الصخور في المنطقة، وذلك لإيقاع أكبر عدد من الضحايا، موضحاً أنه تم العثور على عدد من هذه الألغام في مناطق مختلفة من ريف درعا.
وحذّر من أن تكون هناك أنواع وأشكال من الألغام لم يتم اكتشافها بعد، داعياً الأطفال وعموم السكان إلى عدم لمس أي جسم مشبوه في المناطق الزراعية، أو في المناطق القريبة من نقاط التماس مع قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها، حفاظاً على حياتهم.
التعليق