مهجّرو داريا في إدلب.. بعضهم خسر مهنته الأصلية، وآخرون استعادوها


بعد أن التقط أنفاسه من رحلة العناء الطويلة التي أجبرته على ترك مدينته؛ بدأ ابن مدينة داريا "أبو جمال" 52 عاماً؛ رحلة جديدة بالبحث عن مهنة تؤمّن معيشته بكرامة في الشمال السوري، على حد وصفه.

وفي ظل انعدام شبه كلي لفرص العمل؛ وبخاصة أصحاب الحرف، لم يستطع أبو جمال العودة لمهنته القديمة، "أنا معلم نجارة عربي"، يقول أبو جمال موضحاً خلال حديثه لـ "اقتصاد": "لكن لا أستطيع العودة إلى تلك المهنة حالياً، فهي بحاجة لمعدات كثيرة تكلف أموالاً طائلة".

لجأ أبو جمال للعمل بدكان صغيرة ببلدة سرمين بريف إدلب لبيع الأجبان والألبان؛ بعد أن افتتحها بمبلغ بسيط كان قد ادخره سابقاً.

وفي دكانه الجديد التي مُلئت جدرانها بالرفوف وقطع الجبنة وعلب اللبن والحليب، جلس أبو جمال يعبث بأزرار الميزان الإلكتروني الذي بالكاد يستطيع استعماله قائلاً: "قضيت عمري بين الأخشاب والمسامير؛ ولكني أحسست برغبة في العودة إلى العمل".

مضيفاً: "أستطيع الآن تأمين قوت يوم يسد الرمق ولا أجلس في البيت مثل النساء".


العودة إلى المهنة

أتاحت الهجرة من الحصار إلى المنطقة المحررة لـ "أبو غسان" العودة لمهنته القديمة التي أحبها ورافقته لعشرات السنين؛ "البزورية" أو محل التوابل بأنواعه.

لم يكن المبلغ الذي بحوزة "أبو غسان" كفيلاً بأن يستأجر له محل ويؤمن حق البضاعة. يقول أبو غسان لـ "اقتصاد": "بعد وصولنا لإدلب بفترة؛ كنت أتكلم عن مهنتي كثيراً، ورغبتي بالعودة إليها. حينها عرض علي أحد جيراني وهو من سكان إدلب العمل سوياً، فوافقت".
ويتابع أبو غسان حديثه بشيء من البهجة والأمل: "صحيح بأن وجود شريك لا يوفر دخلاً جيداً؛ لا سيما مع ركود السوق. ولكن أفضل من الجلوس".

ويقول شريك أبو غسان: "كان لدي مبلغ من المال أدخره؛ وبفضل خبرة أبو غسان حافظت على مبلغي وهو يدر ربحاً لا بأس به".


أين يعيش أهالي داريا؟

تتوزع عائلات داريا المُهجّرة البالغ عددها قرابة 650 عائلة بحسب مصادر محلية؛ على أكثر من منطقة؛ أهمها مخيمات اللجوء الحدودية مع تركيا بمخيمات أطمة؛ التي تُعتبر آمنة نوعاً ما من قصف الطيران الحربي، وتتركز النسبة الأخرى في كل من إدلب المدينة وبلدة سرمين.

تحصل العوائل على مساعدات شهرية غذائية واستهلاكية وهي ما تعتمد عليه بعض الأسر التي لم تستطع إيجاد عمل؛ فيما يتقاضى البعض راتباً شهرياً من الألواية العسكرية التي عمل معها قبل خروجه من داريا.

يقول أبو محمد، 55 عاماً، إن إصابته في ظهره تحول بينه وبين إيجاد عمل مناسب لاسيما أن ما يتقنه من صنعة هي زراعة الأرض التي تحتاج لجهد ومال، "لا يتوفر لدي أي شيء منهما"، يوضح أبو محمد.

مردفاً: "أحصل على أكثر من سلة إغاثية بالشهر.أتدبر معيشتي بواحدة؛ وأبيع الأخرى لحاجتي للمال".

الزوجة تعمل

لم يعد "كاسم " يحصل على راتب ثابت منذ وصوله إلى إدلب من اللواء العسكري الذي يعمل معه نتيجة لقلة الدعم.

يقول "كاسم"، 27 عاماً، "كل شهرين وأحياناً أكثر؛ أحصل على 50 دولار من اللواء".

متابعاً كلامه لـ "اقتصاد": "المبلغ لا يكفي لمصاريفي. وبيتي بالإيجار".

 يقيم "كاسم" في مدينة أريحا مع زوجته وأطفاله الثلاثة في أحد الشقق السكنية المأجورة.

لجأت زوجة "كاسم" للعمل في أحد مشاغل الصوف في المدينة بدوام طويل. "أجد صعوبة في الموازنة بين بيتي والعمل وتربية الأطفال"، توضح زوجة كاسم.

مستدركة: "أرى أنه يجب علي مساعدة زوجي. فلقد بذل جهده لإيجاد عمل آخر ولكن دون جدوى".

ترك تعليق

التعليق